Iman | إيمان

عندما تصبح القيم الأخلاقية سببا في الانخراط والانسياق للإرهاب ، عندما يصبح الإيمان بأفكار معينة الطريق إلى مجهول يجعلنا نتسائل هل في الوجود إيمان يبعد عننا الانخراط في هاوية التطرف والارهاب ، عندما تستغل طيبتك في الحياة عشان يقتلو فيك الحياة ، هي تساؤلات كثيرة يطرحها لك عملنا الفني القيم السينمائي ويضع وجها إنسانيا أمام بلاء التطرف العنيف .

بناء على أحداث حقيقية يعرض فيلم Iman | إيمان الذي يعني عنوانه الفرعي ” عندما يكون الإيمان على مفترق طرق”  وجهاً إنسانياً لآفة التطرف العنيف بهدف رفع مستوى الوعي حول كيفية تنامي التطرف العنيف واستكشاف كيف يمكن للمرء، حسب هذه المسارات الشخصية أن يذهب في أي اتجاه.

موضوع مهم طرحه الفيلم السوداني للمخرجة “مِيا بيطار” وإنتاج أحمد عبدالمحسن، والذي يروي قصة 4 شباب سودانيين مستوحاة قصصهم من أحداث حقيقية حدثت لشخصيات واقعية تأثروا بالتطرف العنيف في السودان وهم من مختلف التوجهات الفكرية والاجتماعية والمكانية في السودان ، إن أي مشاهد بغض النظر عن جنسيته وخلفيته الثقافية يستطيع رؤية نفسه أو أصدقائه في القصة.

لأسباب مختلفة وظروف متباينة وبعيدة يتوجهون هؤلاء الأربعة نحو التطرف ،  ليس بإرادتهم إنما باستقطاب جهات سعت لزجهم في جحيم الإرهاب والارتزاق من القتل المأجور، وبذلك فإن مصائرهم تتقاطع بشكل منفرد في سرد الفيلم ، من حيث واقعهم وظروفهم الزمانية والمكانية والفكرية ، لكن هذه الشخصيات لا تجتمع في صراع مشترك. فكان صراع كل منهم صراعاً فردياً متغلغلاً في محيطه الاجتماعي ، إنه صراع جيل واجه حقبة زمنية وواقع سياسي فرض أجندته على المجتمعات المهمشة فاجتاحت الشباب المهمل في السودان.

الفيلم حظي بإنتاج متكامل، وبطاقم محترف اجتهد بقيادة المخرجة “مِيا بيطار”  ليصنع حبكة إحترافية متكاملة تحيل إلى تعاطف وقتي و متقن لتسارع الأحداث فيه ، ثم تدخل بالمشاهد في اندماج كامل مع عوالم الفيلم التي تدور أحداثه في الخرطوم وفي مناطق عديدة أخرى، وما يميزه أيضا التنوع في الايقاع السردي والتنوع المكاني لمواقع التصوير بما يكفل جاذبية المتابعة بالأماكن والمناطق الشعبية والحضارية في ربوع السودان ، وكذلك التأثير البصري والسمعي في المعزوفات الحسية الموسيقية المستخدمة وفي المؤثرات الصوتية المشغولة باحترافية كبيرة، والإضاءة والملابس والمكياج وجميع التفاصيل التي لا تشوبها شائبة في كل لقطات ومشاهد الفيلم، ما لفت نظري الممثلون ظهروا متمكنون من أدوارهم بأداء طبيعي، بل أن التنقل بين الكاميرا وزوايا التصوير المتقنة أسهمت في ظهور تعبيرات وجوههم و الاحساس بأدائهم الطبيعي الغير متكلف. إن ابداع ممثلي الأدوار الرئيسية ” أسعد علي ، عادل كبيدة ، إبراهيم أحمد ، سحر إبراهيم ، يجعلك تغوص في حالة أدائهم الدرامي العالي و الإحساس باللحظة الشعورية البالغة للمتلقي، ما لفت نظري كثيرا أداء الممثلة المبدعة “سحر ابراهيم” في دور الأم وتعايشها مع اختفاء ابنتها إيمان وبعد معرفتها بانضماها الى تنظيم داعش .

الفيلم بمجمله مليء بالإيمان فكل أبطاله مؤمنون بأفكار، يصلوّن لتحقيقها بدافع من ايمانهم وإيمان الشابة التي اختطفها مغذو الارهاب هناك في المجهول ، فتكتب لها والدتها رسالة اعتذار هي بمثابة اعتذار لكل الفتيات وبنات السودان الذين همشتهم الظروف السياسية والمعيشية الخانقة، فتقول لها:

فشلنا في اننا نخلق ليك عالم يضمك…عالم يقبلك ويسمعك”

هي مرافعة وعزاء كل الأمهات والآباء اللذين تركوا أبنائهم لنهش الارهاب والعنف الفكري، إنه واقع مشحون بالإيمان باللحظة والمنعطف التاريخي الذي مرت به السودان. إن الآباء وخاصة الأمهات ، غالبًا ما يجهلون العوامل التي دفعت بناتهم إلى ترك وظائف واعدة للانضمام إلى مجموعات عنيفة .

في 2 مايو 2017 في مدينة الخرطوم قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) واللجنة الوطنية السودانية لمكافحة الإرهاب (SNCCT) رسميًا فيلم “IMAN” وسط حضور بارز من كبار المسؤولين الحكوميين والسلك الدبلوماسي ووكالات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام.

الحدث الأول للإنتاج هو جزء من برنامج الشراكة ضد التطرف العنيف (PAVE) ، تلقى الفيلم استقبالًا هائلاً على منصات مختلفة حول العالم ودخل في العديد من المهرجانات السينمائية ، تم استخدام IMAN لتحفيز وتعزيز تدخلات منع التطرف العنيف في الدورات التدريبية في جميع أنحاء العالم على سبيل المثال: “مركز برشلونة للسلام ، السويد ، مركز كوفي أنان الدولي لحفظ السلام ، أكاديمية فولك برنادوت” التي تستهدف الممارسين والمؤثرين في السياسة ، في 29 أغسطس 2017 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك وبحضور مدير الجلسة السيد ماهر ناصر مدير قسم التواصل وأيضا إدارة الأمم المتحدة لشؤون الإعلام ، حضر العرض المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية والبعثة الدائمة لجمهورية السودان عرضا خاصا لفيلم “إيمان”. حضرت السيدة “ميا بيطار”  المخرجة  الحدث الذي أعقبه مناقشة مائدة مستديرة حول منع التطرف العنيف.

التطرف العنيف هو قضية معقدة حيث يمتد السلاح لإغراق العديد من قضايا التنمية العميقة الجذور ، بما في ذلك الفقر ونقص سبل العيش وفرص العمل ونقص التعليم والإقصاء وعدم المساواة إنه يؤثر على الأمن القومي والعالمي.

ربما كان الفيلم السوداني “إيمان” للمخرجة “ميا البيطار” فيلماً توعوياً بالنظر للجهات المتعاونة على إنتاجه، وأيضاً بالنسبة لرسالته الداعمة لثقافة مقاومة تضليل الشباب والزج بهم في ظلمات حروب إقليمية باستغلال عواطفهم الدينية، مع ذلك آثر صناع الفيلم أن يكون فيلمهم ذا قيمة فنية معتبرة وليس شريطاً دعائياً مسطحاً، لكن ما يثير تساؤلاتي إلى الآن ماسبب عدم الترويج الكافي للفيلم بالرغم من انتاجه منذ عام 2017 م ، فلقد تم عرضه في “معهد العالم العربي بباريس وفي برلين ، وبمعهد جوتة وبالمسرح القومي بالخرطوم” عروض خاصة لم تستقطب الجماهير العريضة، ورغم ذلك حقق إعجاباً كبيراً وإشادات متحمسة ممن شاهدوه. فهل كون الفيلم قصيراً (43 دقيقة) لم يتم تسويقه على شركات العرض التجارية، مع أنه كان من الممكن جداً أن تمتد دقائق الفيلم لنصف ساعة أخرى على الأقل بالنظر الى تسارع أحداثه المثيرة والشيقة والجميلة.

Related posts

السينما الإيرانية ما بين مطرقة ضعف الإمكانيات وسندان القيود الرقابية

قراءة في ترشيحات أوسكار 2022

مسلسل تشيرنوبل

7 تعليقات

ايمان 2021-02-24 - 5:01 مساءً
طيعا بعد ما قريت المقالة خشيت حضرتا الفيلم من اليوتيوب صراحة جميل جدا يا سيفو الفيلم وطريقة طرحه وبساطته جميييييييلة جدا ، شكرا على الاقتراح الجميل يا رائع
fadwa 2021-02-22 - 8:56 مساءً
شي فخم ♡
سيف الدين موسى 2021-02-23 - 4:49 صباحًا
تسلمي جدا جدا أستاذة فدوى ، وبالجد العمل السينمائي شئ فخم للمشاهد من حيث سلاسة العرض والجذب الحاصل فيهو
محمد توفيق 2021-02-22 - 4:59 صباحًا
فيلم إيمان بتذكر اني حضرته في معهد جوتة وعجب المشاهدين جدا اختيارك موفق للاعمال الفنية السودانية استمر في ذلك أستاذ سيف
سيف الدين موسى 2021-02-23 - 4:47 صباحًا
محظوظ انك تحضرو مباشرا مع صناعه ومنتجيه الأصلين استاذ محمد
يوسف 2021-02-22 - 4:57 صباحًا
طولتا الغيبة علينا يا سيفو هههه....دايما مقالاتك متجددة وجميلة وجاذبة..ليه الفيلم ده ما سمعنا عنه زي ستموت في العشرين بالرغم انه شكلو حلو شديد
سيف الدين موسى 2021-02-23 - 4:46 صباحًا
ههههه ياهلا بمستر يوسف ، شكرا على الاطراء ده والله وزي ما قلتا في مشكلة تسويق وترويج لمعظم افلامنا السينمائية البتشارك في مهرجانات دولية
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...