كيف نمضي قُدماً مع القدر حسب رؤية فيلم I Lost My Body

I Lost My Body 2019

IMDb : 7.6/10

Rotten Tomatoes : 96%

  !! هل حاولت الإمساك بذبابةٍ من قبل

حسناً .. ستكون دائماً أسرع منك، حالما تقترب منها ستطير، إنها ترى كل شيء بعينيها الكبيرتين، عليك التصويب من الجانب، صوب من الجهة التي لا تتوقعك منها، لاتصوب إلى موقعها الحالي بل الموقع الذي ستطير إليه، قد لا تفوز في كل مرة لكن هكذا الحال .. وهذا بالتحديد مانفعله في حياتنا، نحاول فقط الإمساك بذبابة.

قصتان تسيران بتوازي نحو بعضهما، الأولى حول الشاب نوفل، عامل توصيل البيتزا الذي يكافح مع كل شيء في الحياة تقريباّ، من الرومانسية، إلى الإستمرار في العمل، إلى التعامل مع ماضيه وخسارة والديه المأساوية والتي جعلته يسير في مسار مختلف تماماً عما وضعه لنفسه.

والثانية تتمثل في يد مقطوعة، تأتي إلى الحياة بطريقة يجب أن تكون سريالية، تخرج من ثلاجة في غرفة تشريح وتحاول الهرب.

تتخلل هاتان القصتان لمحات وفلاش باك من حياة نوفل في طفولته حيث نراه يضحك بصحبة والديه، يلتقط أصوات العالم من حوله على مسجل كاسيت، يريد أن يصبح رائد فضاء وعازف بيانو، يكتشف الكون من خلال أصابعه، يتحسس أعين الحلزون، يلمس مخاط أنفه، يحمل الرمل ويلعب بالميكروفون، كل هذا لمسه نوفل عن طريق يده، لتصبح اليد مليئة بالذكريات والحنين.

أثناء توصيله البيتزا لأحد البنايات، يُحبس نوفل بسبب الأمطار وهناك يلتقي بغابرييل عبر صوتها فقط (جهاز المكالمات في الأبواب)، يتحدثان وتُلهم نوفل نحو هدف جديد، سيتبع تلك الشرارة التي تكونت أينما أخذته، للأفضل أو الأسوء، خصوصاً بعد عدم تمكنه من تحقيق أحلامه، وبينما تتراكم ذكريات الماضي في ذهنه، يبدأ سعيه لجذب غابرييل بتطبيق كل أنواع المطاردة التي شاهدها في الأفلام الرومانسية.

تتعلم اليد الزحف، المشي، ثم الجري ، والتدافع مثل الحيوان الخائف، تتسلق أعلى القفص الصدري نحو الجمجمة، تصعد فوق الأدراج، تختبيء وتنتظر لتهرب إلى حافة نافذة عالية لتمسح الأفق، تُحدق في حجم العالم خارجها وصخبه، مليئة بإحساس ضخم بالعجب، الفزع، والحزن اللانهائي .. لتجد نفسك تتساءل بعد هذا الكم الهائل من الأحاسيس .. هل لليد أعين !!

وبينما تشق اليد طريقها عبر أسطح المنازل الكئيبة، وتلتقط لمحات من مناظر المدينة، ستشاهد محاولة هروب مثيرة تدعو للإنبهار وحتى الخوف، مثلما حصل عندما هاجمتها الفئران في الميترو، هنا ستشعر بالخوف حتى أسفل عمودك الفقري، وأحياناً ستشعرك بالرعب منها كتلك اللحظة حين كسرت رقبة حمامة (بغير قصد).

نحن لا نعلم الدافع الذي يحرك هذه اليد، ولا نعرف إلى أين تتجه بالرغم من أنه يمكننا رؤية أنها تتجه إلى مكان ما، توجد لحظات مفاجئة من الحنان هنا ستجعلك تنسى أنك تشاهد يداً مقطوعة لا يجب أن يكون لها شخصية أو ذاكرة خاصة بها.

: الإخراج

المخرج جيرمي كلابين نقل لنا كميات هائلة من المعلومات العاطفية من خلال حركة أصابع اليد البسيطة فقط، كل شيء عن طريق الإيماء والتمثيل الصامت، مشاهد رائعة، خالية تماماً من الحوار، كان بإمكاني مشاهدة تلك اليد لساعات، مع لوحة موسيقية غاية في الجمال، ذلك النوع الذي يجعل ذكرياتك تنبع معها، يمكنك إغماض عينك وستشعر بالعاطفة تحيط بك، بدون شك واحد من أفضل افلأم الأنيميشن على الإطلاق.

القصة تسير في اتجاه أكثر قوة، ففي النهاية الفيلم ليس رومانسياً، ولا مغامرة، ولا حتى سريالياً، على الرغم من أنه يحتوي على عناصر من جميع هذه الأنواع، إنه رمزية للطريقة التي تمنعنا فيها الصدمة من رؤية كل ما هو ممكن والمضي قدما بعد ذلك، يبدو أن سعي اليد نحو الكمال يكون عبر التخلص من قبضة الماضي السامة، ظاهرياً قد تكون القصة مرعبة، خيالية، رقيقة إلى حد ما لكن النغمة الأساسية هي الكآبة والعطاء.

 

يمكن أن تعود المياه لمجاريها، لكنها لن تعود صالحة للشرب

هذه اليد تعيد خوض حياة نوفل وكأنها تسير في خط موازي لها، لكنها وفي نفس الوقت مُحصلة ل ما سيصبح عليه في حياته المقبلة، ستفعل كل شيء لتظل على قيد الحياة رغم الظروف والمطبات.

قد نتمنى لو ترجع اليد ل جسد نوفل وتلتصق به من جديد، قد نتمنى لو لم يمت والداه، أو لو لم ترغمه الظروف على التضحية بأحلامه .. لكن الأشياء التي فُقدت لا يمكن عودتها أو على الاقل لن تعود كما كانت.

 

    : القدر عند نوفل وغابرييل

 

هل تؤمنين بالقدر !!  أن كل شيء مُقدر مسبقاً وأننا نتبع طريقاً محدداً وأنه لا يمكننا تغيير قدرنا، قد نظن أنه يمكننا لكن هذا مجرد وهم، الا إذا قمنا بتصرف لا يمكن التنبؤ به وغير عقلاني.

مثل ماذا !! كأن تسيرين وتتظاهرين بالمشي ل هذا الإتجاه ثم تحيدين عن مسارك وفجأة تقفزين لتلك الرافعة ولا تندمين على شيء.

ثم ماذا !! تحاولين الهرب، تندفعين بلا تخطيط وتأمُلين النجاح في ذلك.

هناك قوة وجمال في نهاية الفيلم .. أحداث غير متوقعة تدرك بعدها أن هذه ليست قصة حب بل قصة كيف نمضي بعد المأساة، كيف نبحث عن الكمال.

كأن هذه اليد كانت تبحث عن جسدها لتطمئن عليه، هل سيكون بخير بعد الذي حصل !! نراها تتراجع بعد رؤيتها ل نوفل وهو في روحٍ عالية، وكأن مهمتها قد انتهت.

قفزة نوفل نحو الرافعة هي تصرف لا معنى له إذا ما عاملناه بصورة مادية، بل يمكن أن يكون سبباً لإنهاء حياته، لكنه تعبير عن المُضي قُدماً في محاولة تغيير القدر، أو على الأقل مجاراته.

Related posts

السينما الإيرانية ما بين مطرقة ضعف الإمكانيات وسندان القيود الرقابية

قراءة في ترشيحات أوسكار 2022

مسلسل تشيرنوبل

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...