في المقهى

في المقهى
الجزء الأول

متدثراً بردائه الرث بعض الشيء، محركاً اصبعه داخل كأس من الجعة ، كأنما يحرك بأصبعه صومعة أفكاره الكثيفة وحنينه الذي لا يهدأ..
سلب هدير أفكاره الغزيرة صوت الساقي : أعد لك المكان ذاته؟
أجاب بدون ان يرفع عينه من الكأس : ذاته.

-منذ عشر سنوات ، هذا المكان ذاته..
ردد الساقي لزميله المستجد في العمل بصوت يختلجه الحزن والفضول .
أجابه : وما قصته؟
رد عليه : يُقال أن هارب من دياره ، ربما أغضب العائلة لا اعلم حقيقة ماهي التفاصيل فهو لا يتحدث كثيراً !
يأتي كل يوم يتناول الشراب ، ويكتب كثيراً وأحياناً تجده يبكي منكفأ حول ذاته، تحسبه كأنما يتكور حول عالمه الخاص .
يستدرك الساقي ثم يقول : دعك من هذا هيا لنعد للعمل .

في الزواية الشرقية من المقهى يقعد كريم ، يقلب أوراقه ، بقلق خشية أن تضيع واحدة ، كان يعتقد أنها الجزء الوحيد الذي سوف ينتصر لذاكرته في يوم ما ..

 

أسند ذقنه على القلم ، مفكراً ثم قال
نعم حان الوقت لكتابة هذا ..

قبل نحو عشر سنوات، كنت أعيش في قرية بعيدة من هذا المكان .
أنا وزوجتي صوفيا ، وإبني العزيز سعيد
كانت لي حياة ، وتفاصيل ، وعمل ، وطاولة نتجمع فيها ليلاً وطعام ساخناً ..
كنا نعيش ونتعايش .
لم افكر يوماً وقتها هل أنا راضٍ عن حياتي أم لا .
كنت محفوفاً بدفء أسرتي الصغيرة واشغالي …
حتى جاء ذلك اليوم واتى أحد المقامرين مرتدياً هيئة رجل أعمال في مجال الإنشاءات ، ألقى التحية ، وتناول لفافة تبغ وهو يتفحص المكان ثم سأل : أين أجد السيد كريم؟
اخبرته بأنك تقف أمامه..
إبتسم إبتسامة لم افهم مغزاها إلى الآن .

بدأ لي وكأنه يدعي شيء ليس فيه ، لكنني جاريته في الحديث ..
حدثني عن شركته وأعماله ، وحقيقة لم أعرف لماذا أنا بالذات ، فأنا بالكاد موظف عادي في شركة عقارات .. لم أكن أعلم أن بيده مفتاح جحيمي الذي أقبع فيه الآن ..

تحدثنا عن الاعمال وعرض علي أن احضر احدى سهراتهم ..فاعتذرت بأدب متحججاً بشؤوني الاسرية الا انه ألح علي جداً ..
فوافقته مستسلماً .

انتهى عملي ، ذلك العمل الذي اقوم به من سنوات ، استمتع به ام لا ..لا ادري
فقد تحولت إلى آلة تخدم نظام رأسمالي يلقي لي بفتات نهاية كل شهر ..وارتضيته على كل حال.
أنا كريم ،
الشخص المغمور ، الذي لا اعلم دوماً .
يتعايش ولا يعيش ..
مبادئي وقيمي لم تُختبر يوماً
سرت كل الطرقات مندلفاً بين أزمات مختلفة
لكني لم اتوقف يوماً ولم أسال نفسي ما الذي أشعر به؟
عقدت مع نفسي جدلاً عرضيًا حول ما الذي أوده فعلاً ؟؟
حسناً سأذهب هذه السهرة
سأجرب شيئاً جديداً ..

عدت إلى المنزل ، أدخلت نفسي في سترتي الزرقاء ، كنت قد اشتريتها للمهام الخاصة..
نظرت لنفسي ورششت بعض الماء في شعري وألقيت نظرة على نفسي في المرآة كما لم القِ من قبل وقلت في نفسي ..وانا ايضًا يمكنني أن أصبح من رجال الأعمال ..

خرجت مُلقيًا نفسي في الطرقات متحمسًا كما لم أتحمس من قبل ..
حتى وصلت الى اليخت المملوك للرجل الغامض الذي دعاني إلى هناك..
كان هائلاً ..
لم أصدق أنني انا كريم مدعو إلى هذه المأدبة؟؟
كان اليخت أشبه بالقصر الغائر في المياه، وعلى سطحه رجل منغمس في آلة بيانو ينسج الحان خيالية، وجدت نفسي ضئيلاً أمام كل هذا الزخم..
لمحني الرجل الغامض من بُعد وحيّاني بشدة ..
دخلت مشدوهًا بما رأيت ..
كان المكان مليء بالشراب وطاولات القمار ..
مما جعلني أستغرب قليلاً ..لكنني قررت أن أواصل السهرة على أي حال .

وقتها قدّم لي الرجل الغامض شراباً بنفسه..
رفضت اولاً .
فانا لا اشرب
ولكنني بعد إصراره ..

شربت حتى فقدت وعيي..
استيقظت في اليوم التالي
وأنا أمام جثة هامدة غارقة في دمائها ..
وفي يدي مسدس ناري ..
لم أعرف ما الذي حدث
وكيف ؟.

#سلسبيل السيد

Related posts

حبابها السمحة حبابها يمه،، حبابها الكتار صحباتها

حلم التخرج

عام الورق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...