عندما التقيت بذاتي المفقودة

عندما التقيت بذاتي المفقودة ..

أعتقد أن الكون واسعاً جداً ، لكي يجعلني يومًا ما ، أن اتقاطع مع شبيهي الروحي ، الذي يقاسمني هذا الشقاء ، باعتقادي سأظل لوقت طويل يا صديقي اعيش هذا الكابوس وحدي ، من يحتضن الشبح ؟ ضحكت ..طارداً هذا الاسى من صوتي ..
محيلاً نظري الى كوب القهوة الثالث ، في محاولة للقفز من هذه الحديث لعوالم أخرى اغرق فيها عادة ..لكي لا تنكشف نقصيتي امام العالم ..
العالم الذي صنعته بيدي وكدي ، شخصي الذي بنيته من سنين ، محاولاً ترميم كل ثغرة فيه ،
حكت صورتي بمنتهى الاتقان حتى لا تظهر فيها أي تفصيلة معيبة ..
مسحت الماضي وبنيت حاضري ..
وحبست نفسي في أبراج أحزاني .
.
.
.

أنا هشام ، ست وثلاثون عامًا، تاجر ، وابن السوق ، وحلقة الوصل بين الليل والنهار ، اعمل في كل شيء
المباح
واللامباح
تجدني
في المساجد
في الكنائس
المقابر،
مع الساسة
وفي اوساط المناضلين ..

لم أعرف لي هوية وأصل ، انبتني الله في هذه المدينة الظالم أهلها التي تسودها لغة المال والنفوذ ،
ترتفع فيها أصوات المقامرين و رجال الاعمال الفاسدين ويتبعهم رجال دين مهدوا لهم الطريق ..
ويقتص فيها من كل من يقف في الضد ..
ما بين الحق واللاحق
اخترت اللاحق ..
الفجور
والعصيان
القوة الاخذة
لا الشرف الضعيف ..
ليس لي شيء استند عليه،
سوى قوتي التي بنيتها بنفسي ..
لست سليل نسب ارتكز عليه ،
ولم اعتنق ديناً بعد..استمد منه ايماني وقوتي ..
اعود الى منزلي يومياً لكي اغفو فقط ..
لم ادع لنفسي دقيقة واحدة ، أسال فيها نفسي من أنا؟
ماذا أحب
وماذا أكره..
الحياة عندي كانت منظومة دفاعية خلقتها تفاديًا لنهش مجتمع يؤمن بالطبقية والاصل والفصل والانتماء والمذهبية وغيرها..
صارعته بقوتي وهروبي الكبير ..
لم أتجرأ يوماً ان اطيل النظر الى نفسي في المرآة اتفادى أن تقع عيناي امام عيناي
ليمزقني السؤال الكبير ..
يا ترى عينان من هذه؟
اكنت اشبه امي ام ابي ؟
من هم ؟
ماهي الظروف التي طرحتني في هذه الارض البور ..
كيف ألقوني بهذه البساطة لتنهشني الكلاب الضالة ..قبل أن اتحول فرداً منهم ..

انا هشام ..
من اسماني هشام لا اعلم !
علها ممرضة تراءت ان تسميني على محبوبها
او الشخص الذي التقطني وجد اسم هشام معلقاً في لافته فأقرّ هذا الاسم لي ..
باهت انا بلا قصة خلف اسمي ..
ولا هدف ، ولا غاية..
“هشام”اربعة حروف لا اعرف غيرها عني ..

كانت الامور تسير على هذا النحو ، اقصد تعايشت او لربما لم اعيش لم اعرف حتى معنى ان يعيش الانسان ، كنت فقط افعل ما يجب ، واحيط نفسي بقلاع من نار حتى لا يقترب مني أحد ..

ليس لدي أصدقاء ، ولا أقرباء ، ولا اهل ولا احباء ..
صديقي الوحيد ..
هو سامي ..نشأنا في الميتم ذاته ، هو تبنته اسرة غنية وانا ظللت هناك متنقلاً بين المهاجع تارة ، ملُقياً في الطرقات والشوارع تارة اخرى ..

لم اعرف سوى سامي صديق لي ، سارت الحياة معه بطريقة جيدة ، أصبح معلمًا في نهاية الامر ..
نلتقي بين الحين والاخر ..
هو الوحيد الذي يعرف نقيصتي ،
ويحفظ سري .

 

 

في صباح الاول من تشرين الثاني ، كان الطقس بارداً جداً ، وكأنها قد بدأت تثلج ، ترى الناس اكوام صوف متحركة في الطرقات ، بينما كان لهيب حزني كافياً لتدفئتي..

خرجت منزلقًا بين الشوارع ، لا انظر في وجوه العابرين ، اقصد وجهتي لا غير ..
اردد في داخلي : هناك عمل يجب ان يتم!

مهما كانت قذارة هذا العمل ..المهم هناك عمل وسوف يتم ..

الا ان هاتفني سامي ، دعاني الى احتساء القهوة في المقهى القديم الذي نرتاده عادة …
اه يا سامي ..لا استطيع ان ارفض لك طلبًا..
حسنًا…انا قادم ، العمل يمكن تأجليه ولكن لقاءات سامي فلا .

في طاولتنا المعتادة ، المقهى القديم ..
دخان لفافات التبغ ..وجلبة المارة ، والباعة تحريّت وجه سامي بين كل هذه الفوضى ..
كان جالسًا يتفقد ساعته ، بقميصه الازرق ووجه الذي تنبجس منه معاني الطيبة..
حييته ..
ثم جلسنا كأس وراء كأس..قصة تتبعها اخرى ..
الحب ، السياسية ، المال ، الاعمال ، النساء ..
تحدثنا كثيراً ..
حتى توقف الزمن
بدخول سيدة ما ..

سلسبيل السيد

Related posts

حبابها السمحة حبابها يمه،، حبابها الكتار صحباتها

حلم التخرج

عام الورق

2 تعليقات

دعاء 2021-07-03 - 12:55 مساءً
قصة رااااائعة وأسلوب أدبي رفيع.. نطالب بالجزء الثاني في اقرب وقت لو سمحتم!!!
IEMTINAN 2021-07-02 - 2:20 مساءً
Mashallah so nice
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...