صراخ

ظلمة حبلي بالسكون كانت تحتل تلك الغرفة في تلك الليلة، لم يكن يقلق حبلها سوي رفسات الهواء المتسلل عبر النافذة بين الفينة والاخري. كان الهواء يمد قدمه ليشاكس جريدة موضوعة علي طاولة ومثبتة بكوب ممتلئ بالقهوة كأنه لم يعد لأحد، وكانت صفحات الجريدة تنتفض لمعاركته ثم تعود لتهدأ وماهي الا ثوان حتي يعاودان الكرة في تناغم متقن. الظلمة نفسها لم تنج من المشاكسين فعبر النافذة ذاتها مد القمر ذراعه واتكأ علي الحائط حيث، علي مسمار صغير، علق خمار اسود كان يشارك الجريدة في معركتها ضد الهواء بالرقص علي انغامها وهي تتقلب ذهابا وإيابا.

– إهئ.. إهئ….

صوت انطلق وسط السكون لحظة صمت صفحات الجريدة ثم هدأ فجأة عند سماعه صوت الاخيرة. مصدر الصوت كان طفل صغير لا يتعدي عمره عام واحد لم يلبث ان بدأ يهمهم، بعد ان استمع طويلا الي الاصوات حوله، محاولا اصطياد اذن امه. لم يكن يعلم أنها إلي يمينه مباشرة غارقة في سبات قاومته طويلا؛ فمنذ اندلاع الحرب ولا احد يقوي علي إغماض عينيه الا رغما عنه، حتي زوجها النائم الي يسار الصغير لم تفلح اكواب القهوة الثلاث التي شربها في ابقائه متيقظا حتي الصباح. الكل يخاف الليل فكل المصائب تحدث فيه، والكل يريد الظلام ففيه فقط يستطيع ان يطلق العنان لدموعه دون ان يراه الاخر. لا يدري اي منهما متي غلب الاخر النعاس وكم اودع وسادته دموعا، ولا يدري الصغير متي ستدس امه ثديها في فمه لينعم بالحليب اللذيذ، وهو مازال يهمهم ويحرك يديه في الهواء. امسك شيئا رطبا سرعان مادسه في فمه ثم افلته فهو لم يكن سوي اخدي قدميه. الان فقط حان وقت اخر سلاح في جعبته؛ سلاحه الناجع الذي يفلح دائما. فتح فمه عن اخره واطلق صرخة عالية طغا عليها صوت قذيفة اطلقت في ذات الوقت. الطفل يصرخ والقذيفة تصرخ، والظلام هرب راكضا عندما سقطت القذيفة في تلك الغرفة. سقطت هناك وطار كل ماكان هناك؛ الجريدة فارقت فنجانها والخمار فارق مسماره وحيث كان يوجد سرير لا يوجد شيء، وحيث كان يوجد اشخاص لا يوجد احد. لم يفهم الصغير ماحدث ولكن المكان كان مضاءا بشدة والحرارة عالية، والنيران كثيرة، ووسط كل هذا اهم شيء انه الان فقط استطاع ان يري امه وثديها مخرج اليه. حبا اليها يسبقه بكائه، الطريق اليها وعر وساخن، وهي علي غير عادتها لم تركض نحوه وتحمله لتخلصه من الامه ومن جوعه. وصل اليها اخيرا وبدأ ينهل من ثديها، لم تحتضنه و ولم تعدل جلسته ولم تخلصه من الأشياء المؤلمة تحته. وفجأة حملته يدا غليظا بعيدا عن امه وسط صراخه الهستيري، الان فقط راي انها كانت نصف امه فقط ولكنه لم يفهم لم!!!

اخذت ثورة امه تصغر شيئا فشيئا، وهو تتناوله يد تلو الاخري، وصراخه يعلو شيئا فشيئا…. ولكن لاصراخه ولا آلامه هو وآلاف غيره؛ حركت في العالم ساكن.

Related posts

حبابها السمحة حبابها يمه،، حبابها الكتار صحباتها

حلم التخرج

عام الورق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...