ريح ٣

 

أفقت علي ضجيج حولي، فتحت عيني علي مكان أعرفه جيدا؛ قسم الطوارئ بمستشفي الخرطوم، جواري كانت زميلتي د. وفاء التي بادرت بسؤالي
– ماذاحدث يافتاة؟
أخذت أسترجع ما حدث وأحسست بسهم يشق رأسي ويخرج من عيني؛ صداع غريب ومؤلم، أغمضت عيني بشدة وسألت
– أين أغراضي
– في الإستراحة، هل تستطعين المشي؟
نهضت رغم ثقل رأسي مستندة علي وفاء حتي وصلنا إستراحة الطبيبات. قبل أن أستلقي جيدا أحضرت لي أشيائي قفزت بعيدا عنها وعن السرير وأنا أنظر إلي يديها؛ كانت تحمل حقيبتي والكتاب؛ الكتاب…. يا إلهي رحمتك، هل يمكن أن يكون ماحدث حقيقة. وكأنما استجاب الله لي وقتها؛ فقد ذهب عني الروع دفعة واحدة، جلست علي حافة الفراش. أخذت منها حقيبتي قائلة
-ضعي الكتاب في الدولاب.
-سأنزل إلي الطوارئ إتصلي بي إن إحتجت شئ.
أحتاج شئ واحد فقط الآن؛ أن أبتعد عن هذا الكتاب ففكرة بقائي معه في مكان واحد تملأني رعبا .
مرت الأيام اللاحقة وأنا أحاول نسيان أصعب وأغرب يومين في حياتي؛ لم أعد أصعد إلي الإستراحة أبدا حيث يقبع ذلك الكتاب، هاتفي صامت دائما، ووقتي بين العمل والبيت وقراءة كتاب علمي أو قرآن فقط. وبدأت أنسي بالفعل، حمدت الله أني لم أقص علي أمي تفاصيل كل ماحدث معي وإلا أمطرتني بوابل أسئلة لا تنتهي. اليوم عطلتي وليس لدي برامج مسبقة او مواعيد فقط سأبقي في البيت أستمتع بإجازتي وقهوتي. دق الباب، لم أهتم من الطارق؛ سمعت أمي تستقبل القادم بترحاب ومن ثم ميزت صوت بسمة صديقتي؛ بسمة التي أقنعتني بالذهاب إلي بيت الشيخ، كنت أتجنبها أيضا طيلة الفترة السابقة؛ لم أرد علي رسائلها أو إتصالاتها. الآن وقد داهمت المنزل ليس أمامي سوي التظاهر بالنوم.
سمعت خطواتها داخل الغرفة، وطقطقة الكرسي العتيق قرب الطاولة وهي تجلس عليه، ثم صوت رشفة كبيرة من كوب القهوة خاصتي
– عجبا!! ساخنة لشخص نائم
قالتها وانفجرت ضاحكة، لم أستطع منع نفسي من الضحك أيضا، قلت وأنا أبعد الغطاء عني
– ثقل الدم….
إبتلعت ريقي وباقي الجملة التي كنت أهم بقولها عندما وقعت عيني علي وجهها؛ لم يكن وجهها السبب؛ بل وجها آخر إلي جواره ملتصقا به وكأنه مصنوع من الزجاج، وقد كان وجه رجل، ياربي… وجه مكتمل به عينين وأنف وشفتين وجه مبتسم.
إبتلعت ريقي للمرة الثانية والثالثة حتي جف حلقي ولم يبق سوى لساني لأبتلعه. نهضت بسمة واقتربت مني قائلة
-ماذا هناك هل رأيت شبحا؟
مدت يدها إلي كتفي ولكن يده كانت هناك ملتصقة الي يدها، وجسده ملتصقا بطول جسدها وصرخت أنا بكل ما استطعت من قوة
-إبتعدي… إذهبي…. إخرجي…. إخرجي….
ومازلت اصرخ وأكرر “إخرجي” حتي دخلت أمي الغرفة وقدميها تسابقان بعضهما، ووجهها كأنما نزعت عنه الروح. إبتعدت بسمة بحدة ووقفت حائرة، أما هو فقد وجهه متفحما غاضبا وكان ينظر إلي، أمسكت أمي بيد بسمة وسحبتها خارج الغرفة، وذلك الوجه المتفحم َمازال ينظر إلي حتي غاب خلف الباب. عادت أمي بسرعة وأخذتني في حضنها وهي تتمتم بآيات قرآنية، وأنا أنتحب كالأطفال حتي رحت في سبات عميق.

 

Related posts

حبابها السمحة حبابها يمه،، حبابها الكتار صحباتها

حلم التخرج

عام الورق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...