الرئيسية السينما نيركوك، مخلّفات الحرب

نيركوك، مخلّفات الحرب

بواسطة الحسن الناصر
447 مشاهدات

 

 

 

للحرب علاقة وطيدة بالتشرّد. علاقة، لا أمل على الاطلاق، من انتظار نهايتها أو تدهورها حتّى. يصدفُ على المرء أن يتسائل – أثناء مرورهِ بأحد شوارع الخرطوم المنغمرة من أعلى رأسها وحتّى أخمص قديمها بمشرّدين من أغلب السحنات وكلّ الفئات العمريّة – عن قصص هؤلاء المشرّدين، تحديدًا الأطفال منهم. وهذا بالضبط ما حدث للمخرج السوداني الشاب، محمّد كردفاني، عندما طرأتْ على ذهنه فكرة فيلمه الثاني (نيركوك 2016). 

يتناوّل الفيلم قصّة الطفل آدم الهارب بسبب الحرب نحو مدينة الخرطوم آملًا في ملجأٍ يوفّر له أحد أهم وأبسط شروط الحياة: الآمان. صحيح أنّ آدم قد وجد الملجأ ولكنّه مصاحب بأشياء منتفية من حياته السابقة في قريته: أطفال مشرّدين يشاركونه المكان، رب منزل سيّء يستغلّه في سرقة البيوت، وعبء إيجاد لقمة العيش.

في طرفة عين تحوّلتْ القرية وفضاءاتها المتّسعة إلى هيكل بيت مُهمل، وتغيّر وجهُ الأب مانح الآمان إلى تعابير مازدا القاسية والذي علّمته الحياة بأسوء الطرق الممكنة أن يقتلع حقّه منها عنوة، في عالمٍ يبدو أنّ كريمه قد تخلّى عنه. هذا الإنتقال الكبير في حياة آدم صوّره كردفاني، بكلّ سلاسة، في مشهد.

فخر الدين طارق - فيلم نيركوك

 

 يفتتح الفيلم بآدم ممسكًا بقلمٍ ولوح، بينما يرتّل والده القرآن بجانبه، وينتهي به الأمر في المشهد التالي بأدواتٍ “لـتفليس” خزنةٍ بمنزلٍ ما بالمدينة. فرصُ المعرفة والتعلّم بالقرية أضحت الآن محاولات بائسة للسرقة في العاصمة!

لخّص كردفاني ما يوّد قوله من خلال هذا الفيلم في مشهد آخر تظهر فيه عبارة “لا للحرب” مطلية على ما يبدو أنّه محوّل كهرباء أثناء عبور آدم في أحد الشوارع. عبارة قصيرة ومعبرّة كقصِر الفيلم نفسه، وكلّ ما يتلو في الفيلم من أحداث يحاول تعزيز هذا المطلب الإنساني الأصيل.  

قدر معتبر من الفيلم تمّ تصويره ليلًا، فاختيار كردفاني للإضاءة والألوان كان موفّقًا وجميلًا، خصوصًا وأنّ التصوير في هذا الوقت من اليوم مكلّف وصعب الضبط، فميزانيّة الفيلم المنخفضة كانت لا تسمح بأيّ مخاطرة كهذه. مع ذلك، يمكننا القول بكلّ ثقة أنّ كردفاني قد نجح في هذه المهمّة. نسبةً لقِصِر الحوارات في الفيلم، كان على عاتق الكاميرا بحركتها ملء لحظات الصمت، وهو ما فعله كردفاني بكلّ جدارة دون أن يشعر المشاهد بالملل أو الضيق.

لا يمكن المرور على فيلم نيركوك دون الإشادة بأداء الممثّلين، فخر الدين طارق وخالد أو عشرة. فهذه هي أوّل تجربة تمثيل احترافيّة لفخر الدين، وقد اظهر من خلالها موهبته الفطريّة والتي اشتغل عليها كردفاني وأخرج منها كلّ الطاقات التي يتيحها فيلم بهذه القِصِر. أما بالنسبة لأبو عشرة فقد أدّى دور مازدا بصورة ممتازة ومقنعة للدرجة التي لا تسمح لك إلّا وأن تتعاطف معه، على الرغم من لعِبه لدور شرير مستغِل. 

غلاف دهب ولم يعد

بخلاف نيركوك، لكردفاني ثلاثة أفلام أخرى: (دهب ولم يعد 2014)، (سجن الكجر 2019)، و(جولة في جمهورية الحب 2020) وقد أوضح خلال مقابلة أُجريت معه على قناة كشّف باليوتيوب أنّه يعمل الآن على فيلم روائي طويل (وداعًا جوليا) يتناول فيه، بقصّة لإمرأتين، انفصال جنوب السودان. ستكون هذه أوّل تجربة له في إخراج فيلم طويل، واتمنّى أن يكون الفيلم قدر توقّعاتي له.

غلاف سجر الكجر

غلاف جولة في جمهورية الحبّ

 

*ملحوظة: يعتمد هذا العرض في جزء منه على عرض آخر قام به الكاتب في فيديو عن الفليم بقناة كشّف باليوتيوب.

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...