تتلاشى الأصوات في الخلفية، هذا المشهد المتكرر كل يوم و كأنه شريط يتكرر في حلقة مفرغه و كأنه وقع على أن يستمر الى الأبد، هنا يداهمني السؤال ماهو الأبد؟! أشيح بناظري عن السؤال و أعود لهذا المشهد أصوات الأطفال و هم يضحكون كم هم بِلا هموم، تلك هي جنى طفلتي المفضلة تركض الريح تداعب شعرها الذهبي تضحك بصوت عالٍ مفرطة هي في كل شئ بريئه و طفلة و جميلة و حذقة و جميعها هكذا و لعلي أحبها لفرطها في كل شئ. و ربما لأنها تحمل نفس إسمي و أظنها نسختي الأفضل في كل شئ، استغرب كيف إستقرأت انها افضل مني لست أدري.
أنهض عن ذلك المقعد الذي يبدو و كأنه قد خصص لي في تلك الحديقة.
دائماً عندما أنهض عن ذلك المقعد اجدني فجأةً في منزلي كان الأمر في بادئ الأمر غريب و مقلق و لكن الآن اعتدت أظنها رحلتي السماوية الخاصة لا أدري إن كانت الحديقة حقيقية أو حتى على أرض الواقع موجودة أم أنني رسمتها و صرت أقضي معظم أوقاتي فيها هناك تسكت الطواحين الهادرة في رأسي، هناك انا جزء من المشهد. في كل مرة أعود الى منزلي تعاودني نوبات الهلع و القلق المزمنه هذه ، أعود إلى الهامش حيث لا يحدثني أحد حيث أنا دائماً خارج النص و لا يمكن أن اكون جزءاً من المشهد.
يخرجني عن هذا الصمت الذي أنا فيه صوت يصرخ بإسمي أذهب إلى حيث الصراخ مبعثرةً في هيئتي لعلة إنعكاس لما في داخلي لست أنا التي في الحديقة أصل الى مصدر الصوت و أنا الفتاة ذات الهامش، أجيب في فتور يشبه حضوري
– نعم!!
تنظر إلي أمي في تعبٍ هي الأخرى و لكنها متعبةٌ مني
– الا تتعبين من كونك هكذا؟!
أجيب في لامبالاه لهذا الحوار المتكرر الجواب الدائم الدوران في رأسي
– الا تتعبين انت من هذا السؤال؟!، لا وجود للأقنعة انا ابنتك ذات العشرين ربيع مصابة بالإكتئاب و ابحث كل يوم بصورة جادة عن الفناء هكذا اتمنى أن اختفي و انت مازلتِ تتذمرين لأن شعري ليس مرتب كأبنه أختك، لأنني أبدو شاحبة و هزيلة، ابنتك لا تحب الحياة يا أمي تقبلي هذا و إمضي.
الا أنني اردد هذا في رأسي و ابتسم بصعوبة بالغة لأجيب عليها و انا مدبرة
– غداً سأكون أفضل يا أمي.
أذهب لغرفتي و أجدني مجدداً في تلك الحديقة أبتسم بحب و انا أحادث العصافير و الناس و حتى الحشرات كل شئ جزء مني ، كل شئ لا يبعث سوى الشعور بالوجود و الإكتمال، يأتي حدثي المفضل الآن تركُض جنى نحوي احتضنها بحب أداعب شعرها الذهبي في لطف أسألها كيف أنتي اليوم تجيبني
– اليوم أظنني سأسدل الستار.
ضحكت و أنا متعجبة أجبتها أجاريها
– اَي ستار ستسدلين اليوم.
نظرت إلي و بدأ شكلها بالتحور بدت تشبهني جداً و لكنها مغطاة بالدماء و كأنها كانت في معركة فزعت و ابعدتها عن جانبي رحت أصرخ ما هذا ماذا حدث
أتاني السؤال المتكرر ذات المشهد
– ألا تتعبين من كونك هكذا؟!.
رحت أصرخ في هيستريا أتعب من كوني ماذا، مالذي يحدث ما هذا كان صدى صوتي يتردد بعلو بالغ إلى ان تلاشى اختفى و اختفت الحديقة و اختفت أمي و منزلي و حتى أنا. أجدني في غرفة بيضاء بقربي فتاة بدت لي للحظة و كأنها الشرير في هذه الحكاية و أخذت بيدي تغرس فيها عدد من الحقن و بعدها أهدأ شيئاً فشيئاً ثم أختفي من الوجود الآن.
اسمع الأصوات خافته تُذكرني بما أنا و ماذا حدث أنا جنى و أمي أنا و الحديقة أنا و الأطفال و المشهد الساحِر و كل شئ أنا تلك هي طريقتي في العيش بعد ذلك الحدث فقدنا أنفسنا في حربٍ قررت بعض الأشرار شنها على منزلنا قُتلنا جميعاً حتى أنا.
تذكرت أني قد قلت لطبيبتي مرة أنا تكون على قيد الحياة لا يعني أنك نجوت و أنا لم أنجو.
هذه أخر الأصوات التي ترددت في رأسي، الآن اختفت الغرفة البيضاء.
تتلاشى الأصوات في الخلفية، أنا في الحديقة أحادث الطير و الحشرات و حتى الناس أنا أضحك.
ريان النور