سألتني صديقة قبل فترة… من أين يأتيني المِزاج للكتابة؟! لم تكن لدي اجابة واضحة لأن الكتابة هواية امارسها بحُب ورغبة شديدة، أكثر من كونها حالة مزاجية. لكن بعدها توقفت مع نفسي ماذا بعد الكتابة؟ أريد أن أترك لحروفي فرصة أن تُخلد. في موجة الأفكار المتلاحقة تلك، داهمتني بعض التناقضات التي ترمقني بنظرة مستفزة وابتسامة صفراء؛ وتسألني بإستنكار هل تستحق كتابتك أن تخلد؟!
صَمَتَ عقلي لدقائق ثم بدأ يذكرني بعددٍ من الكُتاب والفلاسفة الذين خلدوا أفكارهم عبر تدوين تجاربهم، التي حملت في طياتها ثروة من الخبرات، جَمعها لهم الكُتاب في كُتب السير الذاتية؛ لتخبرنا عن حياة وتجارب النجاح والفشل التي عاشوها لنتعلم منهم ونبني ونطور على ما أسسوه منذ عصور ودهور.
كمثال طرق ذاكرتي سريعاً كِتاب قرأته قبل فترة للبروفيسور: جون كوتر عن فنون صعود المؤسسات وسقوطها وكيف تستطيع النهوض مرة أخرى، وكتاب آخر رسم لي طريقاً واضحاً للتغير والنجاح تحت أي ظرف، للأستاذ الإداري: هولجر راثجبير. الكاتبان كانا واقعيين جداً بوصف خيالي مُتقن، تميز بوفرة الخبرة الإدارية عوضاً عن الخطوات النظرية التي أُستهلكت في العديد من كتب الإدارة الأكاديمية إن صح التعبير.
لتمتد أفكاري لخريجي إدارة الأعمال الذين تفوقوا أكاديمياً ولم يفلحوا في ميدان العمل الإداري! ليظل السؤال: هل يكفي الذكاء والتفوق الأكاديمي لنصل لنجاح وظيفي؟
سمعت مرة أبياتاً للشافعي يقول فيها:
العلـم صيـــد والكتابــــة قيده قيد صيودك بالحبــال الواثقــــــــة
فمن الحماقة ان تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقــــــــــة
سؤال آخر: هل العلم المذكور في هذه الأبيات يشمل الخبرة؟ حين نعود للكتب التي تحمل في صفحاتها ذخيرة من الخبرات، نادراً ما تُصادفنا الكُتب العربية وعلى سبيل المثال في عالم الإدارة العربية أذكر الأديب السعودي غازي القصيبي الذي شاركنا خبرة حياته مع الإدارة، وكان خير دليل للعديد من المهتمين بهذا الجانب المُهم الذي لا ينفصل عن كل تفاصيل حياتنا.
الحياة العملية مليئة بالخبراء الذين يحرصون على الاحتفاظ بالمعرفة الضمنية، ويسمونها ‘‘سر المهنة‘‘ دون وعي منهم بأهمية المُشاركة، وتبادل الخبرات لصناعة عالم أنجح وأجمل، ظناً منهم أن حصرية الأفكار تجعلهم فريدين من نوعهم.
لتدور الأعوام ويُدفن علمهم وخبرتهم معهم تحت التراب، جاعلين خلفهم نوعاً من الفراغ الذي يحتاج للبناء مُجدداً؛ وعلى نفس خطواتهم بكل ما فيها من نجاح أو فشل. ماذا لو أنهم أهدوا خلفائهم من الأجيال حصاد تجاربهم في صفحات؟
هذه دعوة للمشاركة والتدوين الدوري، لتتحول الخبرات من الرأس إلى الكراس، فإن مَرَ اليوم ولم يقرأ كتاباتك أحد؛ حتماً سيقرأها باحثاً مهتماً في وقت لاحق مُقدراً لهداياك الثمينة.
2 تعليقات