فيلم Nomadland – رحلة سينمائية في حب الحياة وأكتشاف الذات

يولد البعض منا بأرواح تآئه، تكره الاستقرار وتتوق للترحال، هائمة تجوب العالم تبحث عن ذاتها في أماكن جديدة وبين وجوه غريبة تقاسمت معها ذلك العشق وتلك الروح المتمردة …. بعيداً عن  عالماُ قد ألفوه واضحى سجناً لأرواح أعياها التعب…عن حياة أفنوا عمرهم فيها وتلاشت أمام أعينهم في لحظة … عن أحباء رحلوا وظلت ذكراهم عابقة في المكان.

Nomadland 2020

Director: Chloé Zhao

 “نومادلاند” أو “ارض الرحالة” هو رحلة سينمائية بصرية ممتعة تقودنا خلالها المخرجة “كلوي زاو” وعلى مدار عام ، في رحلة عبر الغرب الامريكي، نتعرف فيها علي مجتمع ال”نوماد” أو البدو والذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان الولايات المتحدة الذين فقدوا مصدر رزقهم وحياة آمنه كانت تحتويهم في أعقاب الركود الاقتصادي الذي ضرب الولايات المتحدة في الفترة من 2008 وحتى 2011 وتسبب في إغلاق عدد من المصانع والمنشات وتشريد بلدات بأكملها.

نتعرف على هذا العالم بعيون “فيرن” “فرانسيس ماكدورماند” وهي أرملة ستينية فقدت عملها وزوجها فقررت العيش كرحالة متنقلة عبر شاحنتها، اختارت أن تشارك عزلتها مع أناس هجروا مجتمعاتهم التقليدية واختاروا طواعية أن يعيشوا على الهامش، سواء كان ذلك الاختيار بسبب منعطفات الحياة القاسية أو نتيجة لوقع ماضي أليم عايشوه متجولين يعملون في مهن موسمية، متحررين من كل القيود ومفضلين عيش عزلتهم الاختيارية بعيدا عن حياة عبرت بهم وتناستهم.

وفيما عدا “فرانسيس ماكدورماند” و “ديفيد ستراثيرن ”  فقد استعانت المخرجة “كلوي” ببدو حقيقين جسدوا حياتهم الحقيقية وسردوا حكايات عايشوها، مستخدمة أسلوبها المعهود في سرد حكايات أفلامها بطريقة أقرب إلى الوثائقية، لتنقل لنا تلك الحياة البسيطة التي يعيشها النوماد بصورة أكثر واقعية وشفافية، متعاونة في ذلك مع المصور السينمائي “جوشوا جيمس ريتشارد ” والذي منح  المناظر الطبيعية للغرب الامريكي جمالاً ملحمياً بتمازج لقطاته الواسعة، طويلة الافق وتركيزه المتقن لنقل ادق تفاصيل المشهد .

تناغم كل ذلك مع ايقاعات الموسيقى التصويرية الناعمة والتي حولت تلك المشاهد للوحات نابضة بالحياة وأضافت لها بعداً أعمق، والنتيجة تحفة سينمائية آسرة ومرشح قادم بقوة لخطف أوسكار 2021.

وبات من المؤكد أن كلوي سوف تنال هي الأخرى أول ترشيح لها لأوسكار هذا العام وقد يحالفها الحظ وتظفر بأول أوسكار لها، فالبراعة التي أظهرتها في التقاط تلك التفاصيل البسيطة التي ميزت هذه الحكاية جعلتنا نتأكد تماماً أننا أمام مخرجة متمكنة تعرف كيف تروي حكايتها، لديها عين ثاقبة تعرف متى تعرض لقطاتها الواسعة لتعكس لنا صغر “فيرن” في وسط هذا العالم الشاسع، كائن ضئيل يحاول أن يتماهى وأن يجد مكانه في هذا الفضاء الرحب… وتعرف متى تعرض لقطاتها المقربة التي تظهر تعابير “فيرن” لتعكس ذلك الصراع الخفي الذي يدور بداخلها.

الاستثنائية والمبدعة دوماً فرانسيس ماكدورماند

“فيرن” هي مركز الفيلم وشخصيته المحورية التي تدور حولها الأحداث، روح حره طليقة كبلتها قيود الحياة واستنزفتها ذكريات ماضي ولى من غير رجعة، تحاول جاهدة تحطيم تلك القيود والتحليق عالياً بعيداً…

وقد قامت” فرانسيس” كعادتها بإرتداء عباءة الشخصية بشكل متقن لتنقل لنا ذلك الجانب الانساني لشخصية فيرن،ونجحت بأداءها البسيط وتلقائيتها المفرطة في عكس الصراع الداخلي لها بين شخصية وجدت نفسها أسيرة بداخلها، مقنعة نفسها بها ارضاءً لأشخاص احبتهم، وشخصية لطالما رغبت في عيش شغفها والسفر كرحالة.

ذلك الصراع وتلك الرحلة التي خاضتها فيرن للتصالح مع شخصياتها والبحث عن ذاتها جسدتها فرانسيس بتعابير بسيطة نقلت احساساً عميقاً بالأرهاق، في كل نظرة وكل ايماءة عكست معاناة الشخصية، تماسكها وكبرياءها، ومحاولاتها أقتلاع نفسها من ماضي ظلت عالقة فيه والمضي قدماً بحثاً عن التوازن والسلام الداخلي.

في النهاية فأن “نومادلاند” هو رحلة استكشافية تمسنا جميعاُ، فنحن أيضاً رحالة نلهث في الحياة متنقلين من مكان الى اخر ومن وظيفة إلى اخرى… نقضي معظم وقتنا محاولين العثور على هويتنا وانتمائنا لنصل لنهاية الرحلة حاملين معنا فقط تلك الذكريات عن لحظات عشناها وعن أحباب رحلوا عن عالمنا ومازالوا أحياء في قلوبنا يسكنون.

.

..لتلك الأرواح التي غيبها الموت… لاؤلئك الغائيبين الحاضرين دوماً في وجداننا وذاكرتنا ….

 “See you down The road

Related posts

السينما الإيرانية ما بين مطرقة ضعف الإمكانيات وسندان القيود الرقابية

قراءة في ترشيحات أوسكار 2022

مسلسل تشيرنوبل

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...