قالت العرب قديماً قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، في كل يوم يشتد إيماني بواقعية هذا المثل فصاحبك إما أن يعينك أو يُعيقك، وهذا ما قد نلاحظه ونعيشه جميعاً رغم اختلاف تفاصيل حياتنا.
حين نرجع إلى طبيعة فلسفة العلاقات الإنسانية، دائماً ما نجد أن العلاقات مبنية على العطاء المادي المتبادل، مثل علاقة الحب أو الصداقة أو العلاقة الزوجية وحتى علاقات العمل، فهي تستمر أو تنقطع حسب موازين الرصيد الملموس بين الطرفين.
في المقابل على خط موازٍ تماماً؛ أمام الطُرقاتِ المتفرقة التي تأخذك تجاه أهدافك ومساعيك في هذه الحياة، كل يوم تتسع دائرة رِفاق اللحظة الذين تلتقيهم بين الحين والآخر، أولئك الذين تفتح لهم قلبك لتعيش معهم حالة صداقة عميقة وصادقة.
قد تصادفهم في وسائل النقل، في صفوف الانتظار أو أثناء استراحة بعد ساعات العمل، تحاورهم بكل عفوية، تشاركهم بعض الآراء والتجارب أو الهموم، وبالمقابل تجدهم يشاركونك اللحظة ويتفاعلون معك بمنتهى الإنسانية، هؤلاء الأشخاص لا تعلم كم سيمتد حديثك معهم أو ما إن كانت هذه الصدفة بدايةً لرحلة صداقة طويلة معهم، في كلتا الحالتين يمكنك أن تحتفظ بأثرهم الطيب الذي أضاف لك حينها، والذي سيظل يرافق ذكرياتك دائماً، لأنك تدرك بأن هذا التفاعل هو تفاعل إنساني سريع وعابر، خالٍ من التوقعات والأحكام.
من الصعب أن تجد هذا الشعور الغني، في العلاقات المتوجة، لأنك حين تحاورهم تكون قد بنيت الكثير من التوقعات عن ردود أفعالهم وهم أيضاً بالمقابل، على غير اولئك العابرين الذين يمثل دعمهم تفاعل إنساني صافٍ، كفيل بإعادة توجيه بوصلة حياتك ومشاعرك للإتجاه الصحيح.
في مثل هذه العلاقة لا يهم كم هو عمرك أو من أي عائلة تنحدر، لايهم مستواك التعليمي أو كم رصيدك بالبنك، كل ذلك لايهُم مقارنةً بما تشاركه من تجارب وما تبنيه من جسور وما تتركه من أثر في حياة من حولك، وحين تتأمل التفاصيل تجد أنك محاطٌ بأشخاص سخرهم الله ليساندوك في الوقت المناسب، فقط عليك ان تلتفت لهم اولئك الذين يُعرفهم المجتمع بالغرباء، وبحسب توجيهات والديك في الطفولة هم مصدر خطر عليك تجنبه، لكن في الحقيقة هم أرواحٌ تصافح روحك ونصائحهم العابرة تعيد ترميمك من جديد.
أخيراً عزيزي القارئ: ما رأيك أن تروي لي إحدى تجاربك المُلهمة مع الغرباء العابرون؟