تاريخ الغناء السوداني (1)

الغناء و على مدى التاريخ كان جزء أساسي من الحياة الإجتماعية و الثقافية في السودان، فالغناء من أهم وسائل التعبير عن المشاعر كالحب و الإنتماء و التبجيل و غيره، فنجده حضوراً في جل المناسبات كالزواج و الطقوس الدينية و الإحتفالات الشعبية، و قد إكتسب الغناء السوداني ثراءه من مزجه للفن العربي و الأفريقي و التنوع الثقافي و الإثني الذي انعكس على تعدد الأشكال و الأنماط الموسيقية و الغنائية في السودان، فنجد أن شمال السودان يمتاز بآلة الطمبور و الإيقاعات المركبة و الغناء و الرقص الجماعي و غناء الدلوكة و الدوبيت و الجابودي ، و في شرق السودان نجد غناء الدرفولي و أغاني الدوبيت و المناحة و آلة الباسنكوب الشبيهة بالطمبور ، و تنتشر أبواق الوازا و آلة الجنقر  في النيل الأزرق ، و في كردفان و غرب السودان تتعدد الأنماط الغنائية كالجراري و المردوم و الجالسة و غالبا ما تكون مصحوبة بالرقص و الأداء الجماعي ، أيضا تنتشر آلة الربابة و ام كيكي و الدلوكة و طبول النقارة ، كل هذه الأنماط تلاقحت و إنصهرت فيما بينها لتضع بصمتها مشكلة وجدان الشعب السوداني.

ترجع جذور الغناء السوداني إلى التاريخ القديم لحضارات النوبة بممالكها المختلفة ، فقد تم العثور على رسومات لآلة الطمبور “الربابة” على  آثار حضارة النوبة ، و يرجئ عدد من الكتاب و الباحثين ظهور و تطور الغناء السوداني إلى شكله الحالي إلى ما بعد الهجرات العربية إلى السودان و إنتشار الدين الإسلامي في الممالك الكبرى مثل “الفونج” (1504-1875) و “تقلي” (1570-1827) و “الفور” (1637-1875) و الحكم التركي 1821 و قيام الثورة المهدية في العام 1885 و الاحتلال الإنجليزي المصري 1899، و بمرور الزمن تلاقحت الثقافة العربية مع الأفريقية و كانت بداية لنشوء ما يُعرف الآن بثقافة الوسط و تكون الدولة السودانية الحديثة ليظهر الفن السوداني الخالص الذي يعبر عن الوجدان الجماعي و تنوع بيئاته.

يستند الغناء في السودان على موروث ثري مستمد من الغناء الشعبي و الديني الصوفي “المديح” و لكنها كانت بسيطة و لم تشهد تطور يذكر، و مع مطلع القرن العشرين و بعد دخول المستعمر الإنجليزي للسودان و ظهور المدن الكبرى و المراكز التجارية و الإرتباط بالعالم الخارجي شهدت الأغنية السودانية حراكاً و محاولات للخروج من الأطوار الشعبية القديمة ، لتصل الى مرحلة الحقيبة “حقيبة الفن” و التي إمتزجت بالتراث الموسيقي الإفريقي و النوبي القديم، فظهرت الآلات الموسيقية بشكل قوي (الإيقاعية و الوترية و المزامير) و تأثرت بثقافات موسيقية أجنبية من خلال الزيارات و مشاهدات شرائط السينما، و أبرز رواد هذه  المرحلة خليل فرح و سرور و كرومة الذين عملوا على تطوير الغناء السوداني  نحو الحداثة الموسيقية و اللحنية.

و بعد تأسيس إذاعة امدرمان في العام 1940 بواسطة الإستعمار حظيت الموسيقى و لأول مرة بإهتمام رسمي فبرز الكاشف و عشة الفلاتية كأول من تغنى عبر الأثير، و في الخمسينيات ظهرت محاولات جريئة لإستخدام الموسيقى الأجنبية في الغناء السوداني  كالسامبا في أغنية المامبو السوداني لسيد خليفة، و إيقاعات الزار الإفريقية مع الروك أند رول في أغنية سُكّر سُكّر للكابلي، و إستخدم الفنان إبراهيم عوض آلات الإيقاع الراقص ، و برز شرحبيل أحمد مع دخول الجيتار الكهربائي و حاول تأسيس موسيقى جاز سودانية و ظهرت أصوات نسائية مثل منى الخير.

عشة الفلاتية

أيضاً ساهم التلفزيون السوداني بعد إفتتاحه في العام 1962 في نشر الموسيقى السودانية و تطويرها خاصة في مجال الموسيقى المصورة ، و بتأسيس معهد الموسيقى و المسرح في عام 1969م “كلية الموسيقى و الدراما – جامعة السودان” حققت الموسيقى طفرة انتقلت بها إلى العلمية و تم جلب أساتذة للموسيقى من دول مثل إيطاليا و كوريا.

و تعتبر الموسيقى العسكرية أقدم نشاط موسيقي منهجي في السودان  حيث قام أحمد مرجان بتأسيس معهد لتدريس الموسيقى و العلوم النظرية بام درمان و تم دعمه من رئاسة الدولة.

شهد الغناء السوداني الكثير من محاولات لإثراءه و تطويره ليحقق بعدها الغناء السوداني تأثيرا عربياً و أفريقياً و يصبح بوابة للعرب على  أفريقيا و لأفريقيا على العرب.

Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom

Related posts

متحف محمد نور هداب

الديمقراطية للديمقراطيين

المواجهة المتأخرة بين الواقع التاريخي والتزوير الحديث

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...