الملك كرياقوس
في العام 747 للميلاد كانت بلاد النوبة في أوج قوتها و كان حاكم المقرة في ذلك الوقت الملك كرياقوس (كرياكس) الذي لُقّب بالملك الذي نزل عليه التاج من السماء، و عرف بعدله و بتدينه الشديد على المذهب اليعقوبي الذي يتبع لبطرك الأقباط بمصر ، الأمر الذي وطد العلاقات بين المقرة و أقباط مصر بصورة جيدة جداً.
على الجانب الآخر في ذلك الوقت أيضاً كانت الدولة الأموية في عهد مروان الثاني بن محمد بن مروان بن عبد الحكم قد بلغت أقصى اتساعٍ لها و بدأت تشهد ثورات و حركات تمرد هنا و هناك.
و كان والياً على مصر عبدالملك بن موسى الذي كان أشد جبروتاً و قسوةً من مروان نفسه ،فقد استبد بأهل مصر أشد الاستبداد، و ضاعف الجزية أضعافاً على الأقباط و أهل الذمة بمصر ، فلم يطيقوا ذلك لما تمر به البلاد من محل و قحط.
و لكن استبداده أعماه فقام بإعتقال البطريرك ميخائيل المقاري و عدد من الأساقفة و حبسهم كرهائن حتى يجمع الأقباط المال الذي طلبه. وعندما علم الملك كرياقوس بأمر سجن الأنبا ميخائيل؛ أرسل رسولاً من نبلاء مملكة المقرة إلى والي مصر عبدالملك بن موسى يأمره بإطلاق سراح البطريرك الأنبا ميخائيل. لكن عبدالملك قام باعتقال رسول الملك كرياقوس مع البطريرك و الأساقفة.
الأمر الذي أثار حفيظة الملك كرياقوس في الجنوب فتحرك في مائة ألف فارس أسود على مائة ألف جواد أسود و مائة ألف من الإبل، و قد عُرف عن خيولهم القصيرة و القوية، أنها كانت تقاتل بأيديها و أرجلها في الحرب كما يقاتل فرسانها على صهواتها ، و قام بدحر كل القوات التي كانت في جنوب مصر و أكثر في القتل حتى صار إلى الفسطاط و حاصر المدينة.
هنا أحس عبدالملك بالخوف من انتقام كرياقوس خصوصاً و أن طلبه بالمدد من الخليفة مروان في دمشق قوبل بالرفض لأن الخليفة كان يواجه ثورة العباسيين التي اندلعت في الشرق.
فأطلق عبد الملك بن موسى سراح الأنبا ميخائيل و الأساقفة و الرسول النوبي و أبرأ ذمته من المبالغ التي فرضها عليهم و استحلف البطرك أن يتوسط له عند الملك كرياقوس ليرد الجيوش النوبية إلى بلادها، و لا يدعها تتقدم نحو حصونه ولا تحاصره وأن يكاتب الملك كرياقوس ليثنيه عن إقتحام المدينة.
و بعد أن علم الملك كرياقوس بأنه قد تم اطلاق سراح البطرك و الأساقفة و رسوله ، و بعد وصول رسالة البطرك إليه يدعو له فيها ويبارك عليه وعلى من معه و يطمئنه أنه و الأساقفة في أمان؛ عندها عاد الملك كرياقوس إلى دنقلا بجيشه الجرار بعد أن اطمئن أن عبدالملك لن يفعل مثل هذه الفعلة مرة أخرى.
4 تعليقات