المنحرف النرجسي

محمود بني

¤ خلفية
كنا قد تحدثنا في مقالات سابقة ( فن التعامل مع الآخرين وفلسفة التعامل مع المخطئ ) ، وقد تطرقنا الى ان هنالك انواع من الشخصيات بعلم النفس ومن ضمن هذه الشخصيات التي يصعب التعامل معها هو ( المنحرف النرجسي ) وسنتحدث عنه اليوم .
¤ في بداية كل العلاقات يكون كل شيء على ما يرام، رجل يتمتع بكل الصفات ( قوة الشخصية ،وثقة بالنفس، كاريزما ساحرة ،وقدرة التواصل والإنفتاح على الآخر، بالإضافة إلى إبتسامة حارة وحس فكاهة لافت )، أي بكل ما هو يجعل المرأة تنجذب بقوة إليه وتقرر أن تتزوجه وتعيش معه طوال حياتها وقصة حب لطالما حلمت بها، ولكن سرعان ما بتحول هذا الحلم الجميل تدريجيا إلى كابوس مخيف ومرعب لا نهاية له، عندما يسقط قناع هذا الرجل وتظهر شخصيته الحقيقية التي يطلق عليها صفة ( المنحرف النرجسي ) القادر على فعل أي شيء من أجل تحطيم الشريك وتحويل حياته إلى جحيم.
¤ فمن هم أصحاب هذه الشخصية ؟ وما هي أبرز صفاتهم ؟ وكيف يتحكمون بالشريك ؟ وأيضا ما هي الحلول ؟
في هذا المقال سنجاوب على كل تلك الأسئلة، فالمنحرف النرجسي هو إضطراب عقلي ونفسي، نسبة المصابين به هي حوالي ( 3 % ) من البشر وتشمل الجنسين إلا أن غالبيتهم من الرجال وتمثل ( 75 % ).
يعاني المصابين من الشعور بأهميتهم والإعجاب بنفسهم وذلك بسبب كان أو بدون سبب، وعدم الرأفة والتعاطف مع الآخرين وعدم إعترافهم بأخطائهم ، وفي نظرهم هم دآئما على صواب والآخرون على خطأ.
يسبب هذا الإضطراب لأصحابه الكثير من المتاعب في الشؤون الحياتية عامة والعلاقات العاطفية خاصة.
¤ هؤلاء الأشخاص لديهم قدرة عالية على جعل الشريك خاضعا لهم، والسيطرة عليه وممارسة نوع من الإرهاب النفسي عليه وإرتفاع صوته على شريكه في كل أمر، هذه الرغبة الجامحة عند المنحرف النرجسي ،ودآئما تكون ناتجة من طفولة مضطربة جعلته يظهر أهميته والإطراء الدائم على نفسه وتصرفاته وفي ذات الحين هو يكره ذاته ويكوت صورة سلبية عن نفسه تدفعه إلى ذلك التحول، هذا الكره يتم تحويله وتفريغه عند الشريك وجعله مسؤولا عن كل النقص الذي يشعر به منذ طفولته كما ذكرنا في مقال سابق عن كيفية التعامل مع الأطفال لكي لانسبب لهم مثل هذه الإضطرابات النفسية وتنعكس سلبا بالمستقبل لتنتج لنا مثل شخصية المنحرف النرجسي ،فإنه يصب كل جهده كي يدفع الشريك ثمن الفراغ الذي بداخله والشعور بالعبث الذي يسيطر عليه.
تلك الشخصية لا تعرف الحب في داخله، عالمه الداخلي خال من المشاعر والأحساس بالتعاطف مع الآخر، ولا يشعر بالذنب نتيجة ذلك الأذى الذي يسببه لشريكه، وأحيانا يشعر باللذة نتيجة ما يفعله من دون أن يعي بدقة مدى الألم الذي ينتاب الطرف الآخر.
¤ وبحسب الدراسات بعلم النفس هنالك أبرز تصرفات ومواقف تشير إلى أن الشخص مصاب بالإنحراف النرجسي وهي :-
1 – سعي المنحرف نرجسيا في أغلب الأحيان إلى تعزيز الشعور بالذنب عند الشريك، وجعله يقتنع أنه مسؤول عن كل المشاكل والخلل الموجود في العلاقة.
2- يتقصد إشعار الآخر دائماً بالدونية وعدم الكفاءة والإستخفاف بصفاته الإيجابية ويركز على السلبية، وإنتقاده وإهانته من دون سببٍ والحكم عليه في سبيل إظهار تفوقه عليه.
3 – قول شيء وعكسه أي أنه يتناقض في الحديث، وتغيير الرأي بإستمرار، والتعبير بضبابية وعدم الوضوح، وأيضا عدم السعي إلى التواصل بل إلى فرض رأيه على الآخر.
4- عدم تردده في إستخدام الكذب والتهديد المبطن والإبتزاز العاطفي لكي يحافظ على مصالحه.
5- عدم تقبله النقد، وقدرته على نفي كل الحقائق التي لا تناسبه، وتغاضيه عن حقوق الآخر وحاجاته ورغباته فقط.
6 – قدرته على أن يمدح الآخر وأن يقدم له الهدايا والوعود والإعتذارات فقط كي يحكم سيطرته على الشريك في حال انتفض الآخر أو طلب الإنفصال.
7- إشعار الآخر دائما بعدم الأمان، وتقييد حريته ويجعله يفقد ثقته بذاته.
¤ هنا لا بد من التمييز بين شخص عادي وشخص مصاب، يمكن أن يكون لديه إحدى هذه الصفات التي تظهر في بعض الحالات، وبين المنحرف النرجسي الذي يمارس كل هذه التصرفات بمنهج، سيطرةتدريجيّة كلية.
إن المنحرف النرجسي يعرف جيدا كيف يسيطر تدريجيا على الشريك، وكيف يجعله يتعلق به حتى إلى درجة الإدمان ، وكيف يولد عنده نوعا من التشويش الفكري والعاطفي نتيجة التصرفات المتناقضة التي يقوم بها، فهو من ناحية يتصرف باحترام كبير في المجتمع يجعل الآخرين ينظرون إليه كرجل مثالي، ومن ناحية أخرى لا يتوقف عن تحجيم الشريك وإذلاله واللعب بمشاعره لإقناعه بأن كل ما يقوم به هو لخيره، مما يجعل الشريك يقتنع بأنه على خطأ ويجب أن يتقبل كل ما يصدر من أحكام بحقه.
¤ هذه التبعية العاطفية الممزوجة مع الشعور بالذنب، تعطي المنحرف النرجسي سلطة كبيرة على الشريك من الصعب التخلص منها.
فهو يعرف جيدا نقاط ضعف الآخر وكيفية التحكم بها، ولديه القدرة على استعمال كل الوسائل من أقصى الحنان إلى أقصى القسوة كي يخضع الشريك له بالكامل.
¤ ومن آثار هذا التحكم عزل الشريك تدريجيا عن العالم الخارجي وزرع الخوف المستمر في داخله لكي يحكم السيطرة عليه.
¤ومن الناحية العلاجية من الصعب شفاء المنحرف النرجسي لأنه في الأساس لا يعترف بوجود مشكلة لديه، ويحسب نفسه دائما على حق، ويجد دآئما أعذارا كي يلقي التهم على الآخر، وإن صادف وقبل الذهاب إلى معالج نفسي فذلك لكي يمارس عليه التلاعب نفسه ويوهمه أنه الضحية، ولذلك من النادر أن يتجاوب مع العلاج وأن يغير سلوكه إلا إن إعترف بذلك وإكتشف ذاته وساعد نفسه حينها يمكن أن يتجاوب مع العلاج مع طبيبه النفسي أو مع مساعدة شريكه وقوة إرادته في التغيير لأنه كما قلنا في لداية المقال أنه بسبب إضطرابات نفسية بالمعاملة منذ الصغر .

¤ من ناحية الأشخاص الذين يقعون ضحية المنحرفين نرجسيا، ليس لديهم حل لإنقاذ حياتهم من هذا الكابوس سوى الإنفصال عن شريكهم، لأنّهم لن يستطيعوا إصلاح العلاقة أو تغيير الشريك، بل إن أي محاولة من هذا القبيل سوف تسمح لهم بأن يزيدوا السيطرة على شركائهم أكثر إلا إن أراد التغيير في سلوكه ويتجاوب في ذلك.
عليهم أن يعترفوا بأن علاقتهم غير مبنية على حب بل على هيمنة وخضوع وقد إرتضوا أن يكونوا الضحية أو كما قلنا هنالك تجاوب بالعلاج النفسي أو الإرادة في التغيير.
¤ إن إختارو الإنفصال فإنفصالهم يتطلب شجاعة كبيرة وتحضيرا نفسيا وعمليا لهذه الخطوة لأن هؤلاء الأشخاص المرضى حاضرون بالمرصاد لمنع أي محاولة للخروج من العلاقة.
إذا نجحت خطوة الافصال، تبدأ بعدها رحلة الشفاء الداخلي من كل الآثار والجروح النفسية التي تسببت بها هذه العلاقة.
¤ في هذه المرحلة لا بد من مرافقة نفسية من أجل إستعادة الثقة بالذات وترميم الصورة الداخلية المحطمة.
إن الوقوع في حب شخص منحرف نرجسيا يعد من أقسى التجارب العاطفية، لذا عند اكتشاف أن الشريك مصاب بهذا الإضطراب يجب التخلص من العلاقة في أسرع وقت قبل فوات الآوان إن كانت العلاقة في فترة خطوبة أو ما شابه.
¤ إذا أعجبك المقال تابعني على مجلة السودان

Related posts

فريق السودان ينافس في النسخة الثالثة من مسابقة First Global Challenge

Eye Tribe أوكيولوس

ثقافة الاعتذار

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...