طالما وصف الناس الغُربة على مشهد محزنٍ وقاسٍ، مُشَبّعٍ بالمشاعر السلبية في الغالب مما رسخ في أذهاننا كآبة الموقف، وحفز في دواخلنا مشاعر الرأفة والرحمة تجاه من يعيشون هذه التجربة.
لكن هل يمكن أن تصبح الغُربة وطناً؟
هل يمكن أن نصفها بوصفٍ يجعلنا أكثر سعادة رغم الصعاب التي تواجهنا؟
أعتقد أن موطن الغُربة يستحق وقفة إمتنان، موطني الثاني المملكة الخضراء… نشأت في أطهر بقاعها بمدينة رسول الله صل الله عليه وسلم وترعرعت وتعلمت على أراضيها، عاشرت سكانها في عدد من المدن في الحقيقة لطالما كانوا نِعم الرفاق إذا سمحنا للخير أن يَعُم.
قد أكون محظوظة إذا كان هناك من يخالفني الرأي بشأن الإمتنان والإنتماء لبلد الغربة، لكن حقيقةً نحن نحتاج لأن نصحح معادلاتنا تجاه المعاني الجافة للمسميات، خصوصاً حين تكون الغربة من إختيارك.
بدلاً عن التعريف الدارج الذي يصف مرارة البُعد عن الأوطان وما يحمله من مشاعر سلبية مبنية على الإنقطاع عن الأهل والأصدقاء، الذي نغذي به عقولنا وقلوبنا بهذه الدراما المشحونة بالسلبية، لننظر إلى الجانب الإيجابي.
غالباً ما يغترب الإنسان بهدف واضح ومؤقت مثل الدراسة أو البحث عن عمل يحسن من وضعه المعيشي ويلبي طموحاته، إنه لهدف نبيل يحتاج إلى طاقة من الحماس والأمل والإستعداد النفسي والذهني الذي سيدعم الهدف لامحالة.
لكي نكون واقعيين قد تواجهنا المصاعب والمصائب بين الفينة والأخرى، وقد تشكل على أكتافنا أضعاف الأعباء التي كنا نتصورها خلال هذه التجربة، لكن لماذا نلُقي باللوم على الغربة؟
من الطبيعي لكل بشر على وجه الكوكب أن يمر بالظروف القاسية أو المواقف المؤثرة سواء عاش في وطنه الأم أو عاش في غيره، وما أجمل أن نتعلم في مدرسة الحياة، وهذا ما أردده دائماً؛ كلما زاد وعينا في التعامل مع أنفسنا وطريقة تفكيرنا وإدارة مشاعرنا، كلما حصلنا على حياة أكثر إستقراراً بحلوها ومُرها.
أعود لمستهل المقال لأوجه شكري وإمتناني الأول لعائلتي التي جعلت من تجربة الغربة أخف قدراً من المعنى المعروف عنها، وأبناء المملكة الخضراء الذين كانوا ومازالوا رفاقاً لُطفاء دمتم ودام عزكم، أما عن أصحاب التجربة إجعلوا ولائكم لوطن الغربة مشابهاً لولائكم لأرضكم الأم، وكونوا كالغيث كلما زار أرضاً نفعها، وكلما إنتفعت الأرض كلما زاد عطائها وعاد على ساكنيها بكل خير.
2 تعليقات