المرأة في عهد الدولة المهدية:-
جاءت الدولة المهدية في العام 1881م بأيديلوجية مبنية علي قواعد إسلامية تخليصاً للسودانيين من نظام القهر الإجتماعي الذي فرضه الحكم العثماني. فإلتفت جماهير غفيرة حول المهدي كانت تكابد ذلك القهر خاصة النساء، فقد أظهرن الحماس والإعجاب بشخصية المهدي وبحركته .أكد المهدى في مرات عديدة أنه يعتبر دور النساء أقوى في التمسك بنصرة الدين ففي بداية حركته قال:”أول الدعاية إلى الله إتبعوني فيها النسوان والأولاد الصغار”. أيضاً إرتبطت بداية الحركة المهدية بامرأة تُدعي رابحة الكنانية عندما رأت حملة راشد بك إنطلقت ليلاً تجري لمسافات طويلة حتي وصلت المهدي في قدير وأخبرته عن سير الحملة، فإستعد هو وأنصاره وألحقوا بالحملة شر هزيمة. أيضاً كان للنساء دوراً في هجوم المهدي علي الخرطوم، حيث تسللن ليُخبرن المهدي بدفاع غردون عن الخرطوم. مما يقودنا للقول أن المرأة لعبت دوراً فعالاً في العمل السري ومد الأنصار بالمعلومات عن العدو، وهذه واحدة من إبداعات المرأة في دولة المهدية . إضافة لدورها في المعارك ودق النحاس من أجل الثبات بالنسبة للمحاربين. للحديث عن المرأة في فترة الدولة المهدية سوف نستعرض دورها ومكانتها من خلال التطرق ودراسة طبيعة المجتمع المهدوي الذي كانت تعيش فيه آنذاك ، والتشريعات التي فرضت عليها.
إرتكز تعليم المرأة في دولة المهدية علي التعليم الديني في بيت المهدي، والخلفاء، والخلاوي. و كانت المرأة تَدرس علوم القرأن، والحديث، والنحو، وراتب المهدي.و يُقال أن الخليفة علي ود حلو كان يشرف علي تعليم النساء في بيت المهدي. كانت أوقات الدراسة في الصباح والمساء، وبعد إكمال الدروس تمنح البنت شهادة إكمال تسمي( الشرافة )،حيث تُقام يوم الأربعاء حفلة تشريف تقدم فيها العصيدة بملاح الروب وتلبس البنت لبساً طويلاً أبيضاً ومعه عراقي. من النساء اللائي كانت لهن مساهمة فعالة في نشر التعليم الديني الشيخة خديجة بنت الفكي، والتي كانت بجانب إدراتها لخلوتها إشتهرت بالطواف علي النساء في المنازل لتعليمهن.أيضاً الشيخة رقية بنت عبدالقادر من أهالي جزيرة توتي إشتهرت بالطواف، والشيخة خديجة بنت عبدالرحيم التي أقامت خلوتها في العباسية، والشيخة أم سلمة بنت الإمام المهدي. وعندما تزور الشيخة أحد المنازل تتجمع حولها النساء من المنازل المجاورة ، وبذلك أُعُتبرت حلقة الشيخة مدرسة متحركة ساهمت في توعية النساء ونشر المعرفة بينهن.
تميز النظام الإقتصادي والإجتماعي في عهد الدولة المهدية بكثرة الحروب والتفاوت الطبقي والإجتماعي والتمايز الصارخ في الثروة والغني؛ مما دفع المرأة بالخروج إلى العمل وممارسة النشاط التجاري.
فقد سمح المهدي للنساء اللائي خرج أزواجهن للحرب بالسعي لكسب رزقهن. كما خصص الخليفة عبدالله في السوق مكاناً خاصاً بالنساء، وأصدر أمراً سمح فيه للنساء بالإشتراك في التجارة. كانت النساء الكبار في السن هن اللائي يقمن بالعمل في السوق، حيث يقمن ببيع المنتجات الغذائية المتوفرة آنذاك . ونادراً ماكان الفتيات يمارسن التجارة . من الملاحظ أيضاً أن الظروف الإقتصادية هي التي دفعت بالنساء للعمل في السوق، وخاصة نساء الجنود فقد كان مرتب الجندي خمسة قروش، ضعف الدخل الشهري للأسرة دفع النساء للعمل في السوق. وكانت المرأة تعمل بالزراعة وتعمل في صناعة النسيج خاصة في أرض الجزيرة وبربر، وفي صناعة الحصير والأطباق .أما بالنسبة لتجارة الرقيق فلم يكن المهدي معارضاً للرقيق ولا داعياً له . ولم يكن بيت المال في المهدية خزانة مالية فحسب بل كان مزاداً عاماً لبيع وشراء الرقيق . وكان مسؤول بيت المال يعطي شهادة ملكية موثقة للشاري توضح كل صفات العبد، أو الأمه المشتراة . وقد كان الرقيق المعروض يفحص بعناية فائقة من أعلى الرأس إلى أخمص القدم دون أدنى تحفظ من قبل المشتريين .أورد سلاطين النمساوي أن بعض ملاك الرقيق يتاجرون بالنساء في الدعارة كسباً للمال .وكان مفروضاً على النساء المسترقات القيام بكل الأعمال المنزلية وكان عليهن السهر ليلاً على المرحاكة لطحن الذرة .أيضاً كان بعض ملاك الرقيق ينكحون النساء طلباً لزيادة الذرية دون مراعاة لأي علاقة إنسانية. ولا تعتق العبدة إلا إذا حملت من رجل حر، وعلى هذا فإن النساء المسترقات واجهن شر معاناة في الدولة المهدية.
إتسمت بعض التشريعات التي فرضها المهدي على النساء بالشدة والسلبية في تنفيذها . حيث نجده فرض على النساء لبس الحجاب ومن كشفت رأسها تضرب 27 سوطاً، وتحريم المصافحة والتي عقوبتها 100جلدة للمرأة والرجل، وعلو صوت المرأة الذي عقوبته 27سوطاً، وعدم الإختلاط بالرجال و فرض حجرالنساء في البيت ولا تخرج المرأة إلا إلى الأسواق، والمساجد، والمناسبات الإجتماعية، بل وحرم حتى خروج بنت الخامسة وإن أهملوا أهلها يعاقبوا بالجلد.ومن بعض التشريعات الإيجابية في حق المرأة منع المهدي الزواج بالإكراه وإصراره علي أن العلاقة الزوجية علاقة روحية وليست مادية، وأمر بطلاق أي امراة تزوجت مرغمة. كما ألغى المهدي الطلاق الشفوي عن طريق القسم (علي الطلاق، أو علي الحرام، زوجتي تحرم علي). كما سمح المهدي للمرأة بالإشتراك في الحرب والجهاد في حالة الحرب.ورغم إصدار منشور حجر النساء إلا أن إشتراك النساء في الحرب إستمر حتي كرري.
ختاماً نجد أن المرأة في فترة الدولة المهدية رغم تقلبات طبيعة المجتمع المهدوي، إلا أنها لعبت دوراً فعالاً أظهر عظم مكانتها، فكانت ناشطة إقتصادياً، ومحاربة، ومساعدة للمحاربين، ومعلمة قرأن كريم . أعتقد أن التشريعات التي فرضت علي المرأة من قبل الدولة المهدية فيها تناقض إلى حد ما، و لم تأخذ في الإعتبار الواقع الذي كانت تعيش فيه، حيث أنه في فترة يُسمح لها بالمشاركة في الحرب، وفي فترة أخري يُفرض عليها عدم الخروج من البيت ، وفي الوقت الذي تمر فيه البلاد بظروف إقتصادية قاسية عليها كسب رزقها بدلاً عن زوجها الجندي.
2 تعليقات