الماضي المُستمر

على لسان كل شخص منا كلمات تُعبر عن ماضي الذكريات والحنين إليه، لعلها هي المقارنات بين الماضي والحاضر والمستقبل، والتي دائماً ما تُنصف الماضي وتكون إلى جانبه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبساطة والأخلاق، وشيء من الفنون وجانب كبير من الثقافة والرياضة، فلا جديد يُذكر والكفة تُرجح ميزان الذكريات.
ذكريات دائماً ما يصنعها الحاضر المُؤلم الذي نعيشه اليوم، والذي لمس الجميع قساوته وعاش البعض الأكبر شقاوته، لذلك تأتي المُقارنات بين هذا وذاك، وما بين مدح وذم لن يتغير شيء ما دامت نفس العقول بذات التفكير، فالماضي رغم حلاوة ذكره مقارنة بالحاضر إلا أن الحديث عنه أمر مُكرر لا يُضيف للحاضر شيء، ولا يجعل من المستقبل أمراً مهماً؛ بل يُعيق التفكير ويُكسر المجاديف، خاصة أننا نملُك تلك المتلازمة التي تُوحي لنا بأن تفاصيل الماضي من المُستحيلات التي لا يمكن حدوثها مجدداً.
قيل: (من كان له ماضي لابد له أن يعود… ومن له ماضي لا تخشى عليه).
وقيل: (النسى لقديمه ضلا… والما عنده قديم ما عنده جديد).
كلمات وأقوال ربما ذُكرت في مواضع معينة أو لأسباب مُحددة، ولكن لن تكون قاعدة يمشي عليها الناس، فالمستجدات أصبحت أقوى من أي اقوال، والمستقبل لن يشرق في ظل حاضر يسوده الإبهام.
الحديث عن زمان وأيام زمان وبطولات زمان أمر ممل جداً، طالما ذلك لم يترك أثراً في الحاضر، ولن يُستفاد منه في المستقبل، فلم يكن الماضي بنية تحتية قوية وأساس متين لما أتى بعده، لذلك من المُمكن أن نُطلق عليه أنه ماضي من ورق، ذهب أدراج الرياح ولم يُثبت غير ذلك.
هكذا نحن من الشعوب التي تُمجد الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، نُجيد الحديث عنه و نحفظه عن ظهر قلب، أكثر من إجادتنا وحفظنا للنشيد القومي الذي يحفظه أغلب الناس بكلماته الخاطئة والمغلوطة.
حتى جيل الشباب أو ما يُسمى بـ(جيل الإنقاذ) حفظ النشيد و أصبح يُردد ذات القصيد، ولطول فترة حُكمهم أصبح في عهدهم ماضي وذكريات، فحديثنا عن الأمجاد والبطولات، وعن الهيبة والكرامة والعزة والشموخ، لا أعلم أهو بحث عن الذات؟! أم إثبات ماضي قد لا يذكره التاريخ الحديث يوماً؟!
أم أن ذكره الدائم أصبح جزءً من تقاليد الحاضر؟!، فالماضي لم يعد مُهماً طالما هناك أُمم تصنع التاريخ في كل يوم.
قال الكاتب محمد حامد: (الماضي قوت الأموات، والحاضر يصنعه الأحياء، والمستقبل يرسمه العظماء)؛ هكذا تدور الحياة، لذلك يجب أن نستدعي الماضي ونجعله حاضراً، و إلا سيكون ذكره مجرد حلم لا يسنده الواقع.
نتحدث عن التاريخ ونتفاخر به وكأننا عشنا معه مُتصالحين، مع العلم أن لكل زمان دولة ورجال، ولكل زمان ظروفه و تفاصيله وأحداثه؛ ويبقى حال السودان في كل الأزمان فوضى تعم كل المجالات دون استثناء، فلا الرياضة تُجني ثماراً، ولا الثقافة تُجدي نفعاً، ولا المجتمع يُحافظ على أخلاقه وسلوكه، فكل يوم هو في شأن، ولا السياسة استطاعت أن تُوحد القلوب وتجمع الصفوف وترتقي.
على بركة الله يسيرون وبحفظ الله هم آمنون، وبالقليل يعيشون، هكذا حال البُسطاء في بلادي.
ورقة أخيرة 
بتاريخنا الذي نروي هكذا كنا، وسنظل نروي ما قد حفظنا، و سنردد ذات القصص لأطفالنا، فقد انقطع بنا حبل الأفكار والتجديد، و ضللنا طريق الإنجاز والتطوير، رغم بحثنا الدائم عن التغيير، ولكن التغيير يحتاج إلى إدارة حقيقية تُنمي العقول وتستغل الموارد، لنعرف ما نملك من إمكانات، ونرى ما لدينا من إبداع، فالإبداع عين الفكر والإلهام، وهو مصدر العطاء ودهاء العقول، وهذا لا يتوفر لدينا، لذلك لن نخوض فيه حتى نملُكه، ولهذا جعلنا من الماضي حدثً مُستمر حتى وقتنا الحاضر.
إلى لقاء

Related posts

السودان ما بعد الإتفاق الإطاري

حوار الطرشان

الصحافة مسؤولية .. وليست جريمة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...