في عام 2002 تقدمت ليديا فيرشايلد بقضية ضد طليقها مطالبة إياه بالنفقة عليها وعلى أبنائها, فأصر الزوج بدوره على إختبار تحديد النسب للتأكد من أن الأبناء ينتسبون إليه, لتأتي نتيجة الإختبار كالصاعقة على ليديا إذ تبيّن أن الأبناء لا ينتسبون إلى أمهم, لكنهم ينسبون إلى أبيهم . تم إعادة الإختبار أكثر من مرة وفي كل مرة تأتي النتيجة بأن الأطفال لا ينتسبون إلى أمهم . ومما عقد الأمر أن المستشفى يحتفظ بسجلاته التي تثبت أن الأم جاءت إلى هنا وأجرت ولادتها داخل مباني المستشفى . ومما عقد الأمر أكثر من ذلك أن لجنة مختصة تابعت ولادة ليديا التي كانت حاملاً مرة أخرى آن ذاك واتضح كذلك أن جنينها الذي ولدته للتوِّ ليس جنينها أيضا .
والآن أعرني انتباهك يا صديقي القارئ ودعني أحدثك عن الكايميرا – chimeras .
لنبدأ أولاً بشرح كلمة كايميرا, إذ تطلق على كائن أسطوري يوناني مكون من ثلاثة حيوانات ” رأس أسد, وجسم ماعز, وذيل حية ” .
ولنفهم الأمر دعني أحدثك عن عملية التبويض في الأنثى, إذ يصنع مبيض الأنثى شهريا بويضة واحدة ليتم تخصيبها بحيوان منوي واحد وبهذا تتم عملية التخصيب التي تنتهي بإنتاج كائن صغير حي يمتلك كلا من البصمة الجينية للأب وللأم . لكن في بعض الأحيان قد ينتج المبيض بويضتين في شهر واحد ويتم تخصيبهما بحيوانين منويين من التي يقذفها الذكر فيتكون جنينان مبكران ويكون تطورهما أحد الإحتمالات الآتية :-
- أن يستمرا في النمو كجنين منفصلين, فيصبحا توأماً غير متطابق .
- أن يمتص أحدهما خلايا الآخر فيختفي تماما ويتم ولادة جنين واحد .
- أن يندمج الجنينان معا فيصبحا جنيناً واحداً وهنا يا عزيزي تحدث ظاهرة الكايميرا, إذ يبدأ الجنين بالتشكل وتبدأ خلاياه بالنمو والإنقسام وهي الخلايا المكونة من إتحاد خلايا جنينين مختلفين متباينين في الحمض النووي, فقد تحمل خلايا الجلد تركيباً من الحمض النووي يختلف عن الموجود في خلايا الكبد, وقد يحمل الجنين فصليتي دمٍ مختلفتين .
وبالرجوع لقصة صديقتنا ليديا ونزاعها مع طليقها تمكن الأطباء أخيرا من وجود تطابق مع خلايا عنق الرحم لديها مع الحمض النووي للأطفال؛ أي أنها تحمل حمضين نوويين مختلفين داخل جسدها وهنا تم التحديد أنها مصابة بمتلازمة التوأم المتلاشي ” الكايميرا ” .
الكايميرا يا عزيزي القارئ ليست نادرة الحدوث كما قفز إلى ذهنك الآن, لكنها نادرة الإكتشاف طبيا إذ أن واحدةً من كل ثمان ولادات تكون حملاً متعدداً ” يتم تخصيب بويضتين مختلفتين بحيوانين منويين مختلفين “, ويمكن أن تتطور إحدى هذه الحالات إلى كايميرا .
يمكن أن تسبب الكايميرا مشاكل طبية خطيرة إذا لم تكتشف مبكراً, فقد يذهب الشخص للتبرع بالدم مثلاً ويكون الدم مطابقاً لفصيلة دم المتلقي ولكنك مثلاً قد تحمل 5% من خلايا أخيك التوأم الذي اندمجت خلاياك معه فتحدث ردة فعل عنيفة من جسد المتلقي إذ تبدأ خلايا المناعة في مهاجمة خلايا دمك المتبرع به ويمكن أن تقتل الشخص إذا لم يتم تداركه سريعاً .
كما قد تظهر في حالات التبرع بالأعضاء إذ قد يكون الشخص المتبرع يحمل جزءاً من خلايا أخيه التوأم فتفشل عملية زراعة العضو .
ختاماً أكدت دراسة دنيماركية أن ثلث البشر عبارة عن كايميرا, مع أن الحالات المثبتة طبياً حتى الآن عبارة عن مئة حالة فقط .
سراج أخير؛ أستميحك عذراً عزيزي القارئ لغيابي خلال اليومين السابقين لظروف السفر والترحال.
شفى الله كل مريض, وأعان كل مبتلىً .
1 تعليق