السياسات الخارجية للحكومات العسكرية (ج٩)

السياسية الخارجية مع الصين:-

أما العلاقات مع الصين فلقد كانت بعض العناصر الشيوعية تتخذ موقفاً إنحيازياً واضحاً ضد الصين لصالح الإتحاد السوفيتي؛ وكان ذلك يحدث دون علم الرئيس جعفر نميري ، وعندما اكتشف ذلك عمد إلى توثيق العلاقات مع الصين التي قامت بتنفيذ مشروعات هامة لم يعرف لها السودان مثيلاً في برامج التعاون مع الدول الاشتراكية الأخرى وكان علي رأسها كبري حنتوب، ومصنع نسيج الحصاحيصا، وزراعة الأرز في أويل، ودعم المستشفيات الريفية ، إلا أن الشيء الوحيد الذي اعتذرت الصين عن تنفيذه هو مشروع التنقيب عن البترول ونصحت الرئيس نميري بالإستعانة بالولايات المتحدة ولكن نميري لم يكن بمقدوره أن يفعل ذلك وقتها.


وفي العامين اللّذَيْن أعقبا الإنقلاب في ١٩٧١م بدأت العلاقات بين مجلس قيادة الثورة والحزب الشيوعي السوداني تفقد حرارتها، وخلال الأعوام من ١٩٧٢-١٩٨٠م سعى نظام نميري لتثبيت شرعيته على أرضية مختلفة عن تلك التي نهض عليها في بداياته ، حيث بدأ يصور نفسه على أساس أنه نظام طليق الأيديولوجية والأنظمة البرلمانية المستوردة، ولقد كانت الأيديولوجية التى تبناها النظام في بداياته تمثل المحاولة الأولى في تاريخ السياسة الخارجية السودانية.

العلاقات مع الدول العربية:

رفع النظام خلال الأعوام من ١٩٧١-١٩٧٦م شعار التنمية الإقتصادية، وحدث تحول كامل حيث استُبدل الإعتماد على الإتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية بإحياء العلاقات مع الدول العربية حيث أنه وكرد فعل لمساندة النميري للرئيس السادات في كامب ديفيد.


أضحي موقف السودان ضعيفاً ومتضعضعاً في دائرة إنتمائه العربي ولم يستطيع تجاوز تلك العقبة؛ إلا من خلال محاولته لإحياء العلاقات مع الدول العربية خلال الفترة من ١٩٧١م -١٩٧٦م. كما تم إتخاذ مواقف متوازنة بين القوتين العظميين مع ميل نحو المعسكر الغربي انتهى إلى الإعتماد الكامل علي الولايات المتحدة الأمريكية ، مع إلتزام الحذر تجاه الإتحاد السوفيتي خاصة بعد أن ثبت السوفيت أقدامهم في أثيوبيا.
ولقد كانت التنمية الإقتصادية من أهم القضايا التي ركز عليها التكنوقراط، حيث تم التركيز خلال تلك الفترة على حقن البنيات الأساسية بكمية من رأس المال الأجنبي ، وعلى إجتذاب رأس المال الأجنبي ،وتزامن هذا مع رغبة الدول العربية النفطية في الدخول في مجالات الإستثمار وتحديداً إنتاج الغذاء ،والرغبة لدي الدول العربية كان مبعثها تراكم عائدات النفط في الخليج بسبب تصاعد الأسعار ، وإذا تم إستثمار عائدات النفط العربية في السودان الذي يتمتع بموارد طبيعية هائلة في ظل الإستعانة بالتكنولوجية الغربيه فإن هذا قطعاً يحقق أقصى منفعة مرجوة للسودان وللآخرين إقليمياً ودولياً.


واستطاع التكنوقراط أن يمدوا علاقة السودان الخارجية مع الشرق والغرب وإن كانوا في واقع علاقاتهم أكثر ميلاً نحو الغرب ذلك بغرض بناء السودان وتطوير موارده بالتقنيات الحديثة المؤهلة، والقادرة علي تنميته وتزويده بمعطيات التنمية .


إذن فإن ما كان يفعله السودان وقتها لم يكن إنحيازاً للغرب بقدر ما كان محاولة جادة من قبله لبناء السودان بمساعدة الدول القادرة والمؤهلة لتلك المساعدة مادياً وتكنولوجياً. كما استطاع النظام وقتها من إستقطاب مساعدة دولة الكويت الرأسمالية “فندق هيلتون”، كوريا الجنوبية “فندق قصر الصداقة”، كوريا الشماليه “قصر الشباب والأطفال “، الصين الحمراء “قاعة الصداقة”، رومانيا ” دار البرلمان السوداني “، الصين ” صناعة النسيج ومصائد الأسماك والطرق والزراعة”،  أما بالنسبة للدول الإشتراكية فمساهمة رومانيا “النقل النهري ومباني مجلس الشعب” يوغسلافيا “، انعاش أسطول السودان التجاري”، ومن الملاحظ أن التعاون وتعزيز العلاقات مع الغرب لم يمثل قيداً علي حرية التعامل مع الشرق. والمعسكر الإشتراكي ، واستطاع النظام تخطي كل الإعتبارات الأيديولوجية من خلال سياسته الخارجية في تلك الفترة.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...