الزوايا المظلمة

 

-آلو
-مرحبا سماح أنا عماد
– عماد….
-أجل، هل أستطيع أن ألتقيك اليوم؟
أغلقت الهاتف وأرتديت عباءتي السوداء بسرعة، لم أضع مساحيق تجميل علي وجهي لذلك أخرجت المرآة خلصة ونظرت إلي وجهي وأنا أستقل المركبة العامة في طريقي إلي حيث ينتظرني عماد. هو خطيب شقيقتي الصغرى الذي إختفي دون مقدمات لأشهر وتوقف عن الإتصال أو الرد حسبما أخبرتني شقيقتي، رغم وجوده متصلا علي الواتساب والفيسبوك.
الآن ربما هو عائد ولديه حجة قوية لغيابه؛ طبيعي أن يتصل بي لأتوسط له فشقيقتي صعبة المراس ولن تعود إليه بسهولة.
بعد ساعتين عدت إلي البيت بخطوات متثاقلة، بادرتني شقيقتي التي كانت تهم بالخروج من المنزل حين إلتقتني لدي الباب
– مابال الزهرة التي خرجت متفتحة يسبقها عبيرها عادت ذابلة وكأن بغلا مضغها وبصقها هههههههه
لم تنتظر ردا مني، ولم تنظر وراءها لتقبضني متلبسة أراقبها وهي تبتعد. عماد شاب وسيم ناجح في عمله لبق في حديثه يمتلك سيارة فارهة لطالما حسدت شقيقتي عليه. رن هاتفي وأنا أجلس وسط الفراش كالغراب بذات العباءة السوداء، نظرت إلي المتصل وكان كما توقعت؛ عماد.
مرت الأسابيع المقبلة وهاتفي لا يصمت، وإختبائي عن أذني شقيقتي أصبح عادة لي. كنت أحاول لم شمله بأختي من جديد حتي فاجأتني هي ذات يوم
– أتذكرين ناجي؟
-زميلك بالعمل، الذي يعشقك بجنون هههههههه
-أجل، سيأتي لخطبتي الجمعة القادمة
صمت وأنا أحدق بوجهها، ووجهي يحمل سؤالا ترددت في طرحه
-ماذا هناك؟
سألتني هي
-عماد؟؟!!!
– أخبرتك أنني رميته بسلة المهملات، هل رأيتني يوما أنبش القمامة؟!!!
أجل أعرف أنها لا تتراجع عن قرارتها بسهولة ولكني أريد أن اري الفرح يشع من وجهها مثل ذلك الشعاع أطلقه عماد من عينيها. كنا نجلس في الصالة الصغيرة قرب التلفاز، أحسست العصبية في يدها وهي تقلب القنوات دون توقف
– أنت تكبرينني ولكنك قليلة التجارب
قالت دون أن تنظر إليّ
– الحب شيء والزواج شئ آخر، عندما نحب تبهرنا المظاهر
وقفت وأخذت تنظر إليّ، أحسست بنظراتها تخترق عقلي وتكشف ما أخفيته عنها وأني قابلت عماد، وما أخبرني به عن أنني سبب إبتعاده عنها. يقول أنه إكتشف أنني أنا التي يبحث عنها وأن حبه لي كبر يوما بعد يوم طيلة فترة خطبتهما وعندما لم يعد يحتمل إبتعد ولم يدر كيف يحل المسألة. أنا حاولت حلها بإقناعه بأن مايشعر به تجاهي ليس حقيقي، وأن ماجذبه لشقيقتي لا يمكن أن يجذبه إليّ؛ فنحن مختلفتان تماما. هي بقوة شخصيتها وطموحها وأنا ببساطتي وقلة متطلباتي في الحياة، هي بوضوحها وجرأتها وأنا بمجاملتي وحيائي الزائد هي سيرين و أنا سماح. بينها وبيني وعماد وحديث طويل، كان قلبي يختبيء في ركن مظلم يرقص ويدندن لنفسه؛ فأنا يمكن أن أحظي برجل مثل عماد وربما به ذاته
-وعندما نتزوج….
أفزعني صوت أختي وحاولت جاهدة منع جسدي من التعبير عن الفزع. واصلت وهي تلقي ب”الريموت” جانبا
-عندما نتزوج يا أختي نحتاج إلي رجل يحمل من صفات الرجولة شيئا غير أنه ذكر.
ألجمتني جرأة عبارتها التي ظلت تحارب النوم في عيني ليلا، هي بالطبع تقصد عماد؛ تركها دون أن يقول شيئا، مصيبته أنه دخل بيتنا خاطبا وقابل أبي. وعندما غادر لم يودع أحدا والآن عاد يطرق بابا آخر، ولكن الحب شيئا لا يمكن التحكم به، هكذا بررت له؛ أم أنني أدير الطاولة ناحيتي فقط؟… ماذا لو أدرت الطاولة الناحية الأخري ووضعت نفسي مكان سيرين… فجأة أحسست برعشة في جسدي؛ كيف لأنثي أن تشعر بالأمان مع رجل غادرها هكذا؟؟ كيف تحترم شخصا لم يحترم شيئا في حياتها؟؟ وانا… أنا الآن أيضا فقدت إحساس الأمان تجاهه. لطالما كنت افكر في رد فعل سيرين إن علمت بالأمر وكيف سأتعايش مع فكرة أن شقيقتي لديها مشاعر لزوجي… ولكني لم أفكر يوما في تحليل شخصية هذا الرجل ولم أضعها في ميزان.
أفقت برأس ثقيل كل بوصة فيه تؤلمني، رأس ظل يزن ويكيل طوال الليل، ورغم ذلك إتخذ قرار مشوش لم يرض أيا من الأطراف ونزلت دموع عماد علي إثره؛ الأمر الذي لم أتوقعه وهربت مهرولة خوفا من ضعفي.
لم تدر سيرين شيئا عن ما حدث، وحمدت الله علي عودة الإبتسامة الصافية والبهجة إلي وجهها ليلة زفافها
-سماح
إستدرت بكامل جسدي إلي مصدر الصوت الذي أعرفه جيدا
-مبارك لسيرين….
مد يده فوضعت يدي داخلها كالبلهاء، ولكنه سحب يده في هدوء تاركا خاصتي معلقة في الهواء وغادر دون أن يبارك للعروس.
غادر وفي قلبه شيء وترك في قلبي شيء مثله وهناك داخل قلب العروس زاوية مظلمة تحمل ذات الشيء، هي زوايا تبقي مظلمة ونغلق عليها بإحكام.

 

Related posts

حبابها السمحة حبابها يمه،، حبابها الكتار صحباتها

حلم التخرج

عام الورق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...