إذا كنت من أصحاب المهن والحِرف اليدوية أو البسيطة والتي يراها بعض أفراد المجتمع بشكل مهمش فلا تلم الا نفسك، فأنت حصاد أفكارك ومعتقداتك، وأنت الوحيد الذي سمحت لهم بهذا التصنيف.
عزيزي القارئ: قد تكون بدورك ممن يحارب هذه الأفكار الطبقية السطحية نظرياً، لكن ماذا عن الدور العملي وكيف يمكن أن تكون النتائج؟
نعاني في مجتمعاتنا من الصور النمطية للكثير من التفاصيل حولنا، لكن على سبيل المثال: مسألة تصنيف أصحاب المهن، نشأت بشكل تلقائي منذ قديم الأزل؛ وبشكل لم يعاني منه المجتمع في ذلك الوقت، كأن تولد ابن لفلاح هذا يعني أن تكون فلاحاً والنظر لهذا الواقع يعتبر كنوع من الحظوظ والأقدار الخارجة عن سيطرة الفرد.
لكن بعد الثورة الصناعية التي بدأت منذ عام 1784م بدأ الحال يتغير، وبدأت الآلات تحل محل أصحاب المهن اليدوية؛ حتى امتلاك الآلات هذا هو شكل من أشكال التصنيف ولا يحصل عليها إلا الأشخاص ذو المكانة الاجتماعية الرفيعة مثل ما تم تصنيفهم، فالعادات والتقاليد والأعراف منذ القدم لم تساوي في المكانة بين الناس، دائما توجد مقارنة أحرار وعبيد، أغنياء وفقراء، ناجحين فاشلين.
هذا التفاوت شكل نظرة دونية غير مبررة تجاوزت حدودها لدرجة وصلت الى تهميش الإنسان، والتركيز أكثر على دوره في حياة المجتمع، وبناءً على دوره … أقصد عملة ومقدار الدخل المالي الذي يتحصل عليه يبدأ تحديد المكانة الاجتماعية ومقدار الاحترام الذي يستحقه هذا الفرد؛ وخلطة من المقاييس السطحية والغير عادلة.
في حياتنا اليومية نصادف مهن مختلفة ونلاحظ التفاوت في التعامل بطريقة مزعجة، والأكثر إزعاجاً هو أن ترى صاحب المهنة كعامل النظافة في أحد المؤسسات، أو عامل غسيل السيارات، أو بائع الشاي والباعة المتجولين هم من يقزمون أنفسهم أمام من حولهم فتجدهم مهرولين لخدمة أحدهم بطريقة مبالغ فيها وبالمقابل ترى الطرف الآخر متباهياً شامخاً مهمشاً لذاك العامل وكل طرف ينظر للموقف كوضع طبيعي صحيح! هنا يمكن أن نلاحظ دور كل طرف في تعميق التصرفات المجتمعية المتخلفة والتعاطي معها بنمطية.
في مسرحية الحياة المستمرة هذه وجيل بعد جيل وصلنا لمرحلة يفضل الشاب فيها البطالة على أن يعمل في مهن صنفها المجتمع بالدونية أو المخجلة، ولا يخجل من اخذ مصروفه من والده ويتكئ في أحد المقاهي عاطلاً.
من واجب كل فرد واعي أن يساهم في تغير نظرة الشباب السلبية لبعض المهن البسيطة التي بالغالب لا تحتاج إلى سلم تعليمي أكاديمي، بل تعتمد على التجربة والتدريب والممارسة.
قد لا تكفي هذه المهن ليعيش الشاب بالطريقة المواكبة للعصر لكن يمكنه أن يتعلم ويعطي وقتاً لمهنه أخرى ولا ينسى دوره الفعال في تغيير النظرة النمطية ورسائل التوعية التي سيقدمها فعلياً للأجيال الناشئة والقادمة.
أختم مقالي هذا بقصة قصيرة حدثت معي قبل سنوات حين عملت فترة دوام مسائي بأحد البوفيهات، بعد دوام صباحي بمسمى رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في أحد الجهات التابعة لوزارة الدفاع، أذكر حينها اختلاطي الشديد بفئة كبيرة من أفراد المجتمع وبفئات عمرية مختلفة؛ عبر مجموعة من البرامج المسرحية والتدريبية على مستوى المنطقة، كنت ألاحظ مقدار التقدير والاحترام خلال هذا النشاط، وفي المساء أتجه للبوفيه الذي يعد مشروعاً خاصاً؛ وألاحظ نظرات الدهشة والتعجب في عيون الزائرات، من الطرائف التقيت مصادفة بإحدى زميلات الدراسة في المرحلة الابتدائية، حدثتني بملامح الشفقة قائلة: (أذكر أنك كنت متفوقة كيف انتهى بك المطاف كمُعدة وجبات سريعة وبائعة؟).
الجميل خلال هذه التجربة الرسالة الإيجابية التي وصلت إلى الجيل الناشئ فبين فترة وأخرى ترددن عليَّ عدد من الفتيات الصغار أو المراهقات الذين كانوا أكثر شجاعة في طرح السؤال من أهاليهم المتعجبين … كانوا يسألونني: لماذا تعملين هنا يا أستاذة؟ وأجيبهم دائماً بابتسامة: أنني أسعى لتحقيق بعض الأحلام وأمامي العديد من الأهداف التي يجب أن أسعى لتحقيقها، فيغادرنني مبتهجات ويعُدن لسؤالي بعد فترة ليتابعن مسيرة تحقيق الأحلام التي أرويها لهن كجدتهن الحكيمة وأستمتع بلمعان أعينهن الحالمة.
12 تعليقات