اختبار النسب الجيني وأزمة الهوية


بسبب التطورات التي حدثت في مجال التكنولوجيا الحيوية و تطور طرق قراءة تسلل الاحماض الامينية المكونة للجينات التي تكون اجسامنا ..ظهرت مجموعة من الاختبارات التي تعتمد على هذه التقنية لمعرفة العديد من الاشياء ..
مثل الكشف عن الجينات المختلفة التي من الممكن ان تكون سببا في ظهور بعض الامراض ( الطفرات الممرضة )
و كذلك الكشف عن البنية الجينية للاشخاص و ربطها بمظهرهم الخارجي  مثل لون العين و البشرة و الطول و غيرها
كذلك اختبارات الابوة لمعرفة من هما والدي طفل ما ونسبته اليهم
واخيرا .. اختبار النسب ( موضوع مقالنا الحالي ) وهي اختبارات تحاول تصنيف البشر الى مجموعات عرقية و مناطق جغرافية و كتل حسب جيناتهم ثم من خلال الفحص يمكنهم ربط الشخص باحدى هذه المجموعات و بالتالي ايجاد الاصول البشرية العرقية لشخص ما من خلال جيناته ..
في حين ان هذه الاختبارات تحمل وعودا رائعه للعديد من الاشخاص في حالات كثيرة .. الا ان دقتها ما زالت محل جدل
وفي هذا المقال سنحاول معرفة سبب الاسئلة والشكوك التي تحوم حولها و النقد الموجه اليها .. وكذلك الامكانيات التي تحملها هذه التقنية
ظهرت هذه التقنية كتطور طبيعي للاختبارات الجينية التي بدات بعد الافصاح عن خريطة الجينوم البشريه في عام 2003
فبعد ان اصبح بالامكان معرفة التسلسل الجيني للانسان اخذ العلماء في البحث عن اختلافات في جينات البشر لكي يحددو من خلالها الاختلافات وعلاقتها بالشكل الخارجي للانسان
ثم بعد ان اصبحت تقنيات معرفة التسلسل الجيني اقل سعرا و اكثر كفاة ظهرت الى السطح شركات تجارية اخذت على عاتقها تحليل و تفسير النتائج لكل شخص على حدة . وبناء قاعدة بيانات ضخمة من هذه العينات لاستخدامها كمرجع لعينات الاخرين .
 يرسل الشخص طلبا الى الشركة .. فترسل له علبة وهي عبارة عن مجموعة من المسحات الطبية يستخدمها الشخص لـجمع عينة من حمضه النووي ( عينة لعاب او دم ) ومن ثم ارسالها الى الشركة .. و تقوم الشركة بتحليل و قراءة تسلسل حمضه النووي و مقارنتها بقاعدة البيانات و تحليلها عن طريق برامج كمبيوتر مخصصة و من ثم تنسيق النتائج بطريقة سهلة للقراءة و ارسالها الى الشخص .. ويكون موضحا بها :
اما .. 1- الاحتمالات المرضية التي تظهر في جيناته بعد مقارنتها بنتائج الابحاث العلمية .. وكذلك المجموعات العرقية التي ينتمي لها الشخص جغرافيا او عرقيا . وهذه الطريقة هي الاغلى ثمنا و الاكثر جدلا ( 190 دولار تقريبا )
2- تحليل و تقييم انتماء الشخص الى المختارات من المجموعات العرقية فقط ( 90 دولار فقط )
ومن اشهر الشركات في هذا المجال
 23andMe و AncestryDNA
 و بوجود 5 مليون شخص في قاعدة بياناتهم اصبحت هذه القاعدة اكبر من القاعدة الموجودة في المنظمات العلمية.

 

وتغيرت هذه الطريقة حاليا لتصبح مجرد ان تقوم الشركة بتقطيع الحمض النووي بعد استخلاصه و تطبيقه على شريحة تحمل مجموعة من الجينات ملصقة بها .. واذا التصقت جيناتك بالجينات المقابله لها في الشريحه فستضيئ نقطة مكان الارتباط لتوضح انها ارتبطت و بالتالي يقرأها جهاز الكمبيوتر و يعرف بالتالي ماهو الموجود في جيناتك بناء على النقط المضيئة و تعرف هذه التقنية ب microarray chip وهي تقنية رائعة لحصول على معلومات مفصلة للجينات . ولكن تفسير هذه النتائج هو الصعب وهو موضع هذا الخلاف
 في اختبارات تمت لاختبار دقة هذه الشركات .. ارسلت عينات من كائن مختلف غير الانسان و لم تكتشف الشركات ان العينة كانت لكلب ولم تكن لانسان  .. وعللت الشركة ان الاختبار ليس مصمما لقراءة التسلسل الكامل للعينة ولكن مواضع مختارة منه .. وهذا يضع هذه المواضع محل التدقيق .. هل فعلا من الممكن ان تعبر مجرد مواضع عن اختلافات البشر جميعها لكي يتم تصنيفهم على اساسها ؟؟ اذا كانت هذه المواضع لا تستطيع التفرقة بين الكلب والانسان !
كذلك حقيقة ان الانسان يحمل نصف جينات ابوه و امه .. وبالتالي هو يحمل ربع جينات جده لان ابوه كذلك يحمل نصفين … وهكذا فالشخص يحمل فقط 1% من جينات جده السابع .. تخيل ان تبنى تاريخك كله على 1% من جيناتك واقل من ذلك كلما رجعت الى الخلف !!
في اختبار اخر تم ارسال حمضين نووين ل اخوين .. ويفترض ان اصولها هي نفس الاصول .. ولكن الاختبار اعطى نتائج مختلفة لكل اخ .. وجعلهم من اعراق مختلفة .. وعللت الشركة بان الاخوة قد يرثوا جينات مختلفة من كل من الام و الاب ولا يجب ان يرثوا نفس التركيبة والا كانوا قد اصبحوا توائم و ليسا اخين .. وبرغم هذه الاجابة الصحيحة الا انها تضع خطا احمر وشكوكا حول التقنية ككل .. لانه اذا لم يكن للاخوة  اصل مشترك .. فمن اذا ؟
المعايير المستخدمة هي معلومات جمعت من الابحاث السابقه و كذلك الابحاث العلمية حول الامراض .. وهي ذات طبيعة احصائية وليست تاكيدية .. بمعنى انها ابحاث تخبرنا ان جينا معينا موجود بنسبة 60 % مثلا في عرق ما او في مجموعة لديها مرض معين .. لاحظ ان الابحاث لا تقول ان الجين يسبب المرض والا لكان قد وجد في 100% من العينة .. كل ما يقوله البحث هو ان الجين وجد في 60% مثلا . هذه نتيجة احصائية ولا تعني الكثير مجرد اشارة و تنبيه وليست نتيجة .
كذلك البرامج المستخدمة لتحليل العينات هي عبارة عن خوارزميات و لكل برنامج حاسب خوارزمية مختلفة وبالتالي نتائج مختلفة .. وحين ارسلت عينة متطابقة الى الشركتين فان النتائج اتت مختلفة بناء على خوارزميتهم .. ستخبرك شركة انك نصف يهودي و نصف اسيوي و تملك جينات لمرض السرطان و شعرك احمر … بينما تخبرك الاخرى انك في الغالب عربي و لك اصول من حوض البحر الابيض المتوسط و لا يوجد لديك احتمالية للسرطان و شعرك اسود.
لمعرفة و مقارنة نتائجك بالعرق الذي يراد معرفة انتمائك اليه او المنطقة الجغرافية مثلا يجب ان يكون لدى الشركة مجموعة مرجعية تسمى قاعدة البيانات المرجعية و يجب على هذه القاعدة ان تكون موثوقة و تعبر عن كل الاعراق في المنطقة الجغرافية .. و نجد انه في هذه الشركات فان العينات قليلة اصلا و غير معبرة ..
مثلا بلد مثل الصين لها 9500 عينة مرجعية فقط بالرغم من ان عدد سكانها يتعدى المليار نسمة .. فهل 9500 عينة هي معبر جيد عن المليار ؟
مثلا لو كانت عينات بلد مثل السودان ماخوذة من مناطق الشمال و الغرب فقط كمثال .. فان هذه العينة تعتبر هي السودان و كل من لا ينتمي لها سيعتبر ليس من سكان المنطقة و ليس من هذا العرق ؟
ناهيك عن ان فكرة العرق الصافي هي فكرة اسطورية فكل البشر عبارة عن خليط من الاعراق .. وفكرة ان الشركة تمتلك الحمض النووي لعرق ما ( الاشوري مثلا ) هي فكرة مستحيلة بسبب ان العينات كلها حديثة و ليست عينات الاجداد اصلا و ثانيا ان الاشوريين جميعهم لا يمكن التعبير عنهم بعينات البشر الحاليين لان الحاليين مختلطين ؟
بعد اجراء التحليل قد يعطيك الموقع هذا الخيار البسيط ( هل ترغب بمعرفة اقاربك والتواصل معهم؟ ) ثم فجأءة تجد نفسك تحادث شخصا يفترض انه عمك .. كيف هذا و جدك لم يزر ابدا تلك البلاد! .. ثم ماهي مسؤليتك الاخلاقية تجاه هذا الشخص الجديد! .. ماهي احتمالية ان يكون جدك انجب خارج العائلة و كل هذه الاسئلة التي اصبحت مصدر قلق لكثير ممن اجرو هذه الاختبارات وتعرضوا لهذه المعضلة .. واعرب اكثرهم انه لم يكن مستعدا لهذه المفاجئات و انها اصابته بالقلق .. علما بانها مجرد تكهنات ولكنها قد تغير حياة البعض
اذا فهمت عزيزي القارئ الطريقه المستخدمة في التحليل فسيكون من السهل فهم هذه الاختلافات .. لان التقنية مبنية عن احصائات لم توثق بعد .. واذا كانت التقنية لمجرد الاستئناس فلا باس و لكن ان تكون مصدر للمعلومات و اتخاذ القرارات فهذه هي المشكلة .
فبالنسبة للاحتمالات المرضية فان بعض الافراد قد يتخذون اجرائات جيدة تحسن حياتهم بناء على النتائج كتجنب مرض معين لديهم قابلية للاصابة به .. ولكن ماذا لو قرر الاشخاص اجراء عمليات جراحية استباقية مثلا لتجنب سرطان الثدي و استئصال الثدي مسبقا وهو لم يظهر بعد.. ( وهذا بالمناسبة ما يحدث في بعض العوائل الاوروبية ) . ناهيك عن الخوف و القلق النفسي الذي قد يصيب الشخص فقط لانه قرء هذه النتائج و لم يكن يفهم انها احتمالية فقط ؟
ماذا لو اطلعت شركات التأمين على هذه النتائج وقررت ان ترفع سعر التامين للاشخاص الذين يتوقع انهم قد يصابوا بامراض .. او حتى ترفض ان تضمهم في التأمين .. ماذا لو اصبحت هذه النتائج سببا في الرفض من الوظائف او حتى الارتباط و الزواج .. واترك البقية لمخيلتكم .. مجرد احتمال احصائي قد يغير واقع شخص ما
اما بالنسبة للمجموعات العرقية .. فقد يفيد هذا الاختبار بعض الاشخاص مثلا و الايتام و من لا يعرف نسبهم .. وكذلك شخص يريد ان يبحث عن اصول و مناطق جغرافية ينتمي اليها .. ولكن ماذا لو استعمل كسلاح ضد بعض العرقيات لاثبات انهم ليسو سكان البلد الاصليين و بالتالي رفضهم؟  .. ماذا لو اصبحت هذه نوع من القبلية الجديدة و العنصرية العلمية!!  .. حيث ان كل من يحمل جينا وجد لدى اليهود هو يهودي او ان كل من ينتمي للعرق العربي ليس افريقيا و كل من وجد في جيناته جزء من بلد ما فعليه ان يعود اليها .. ( برغم صيغة المبالغة في هذه الافتراضات الا ان الباحث سيجد منتديات و مجموعات كبيرة قد بنيت على هذه الاختبارات ) وهي ليست مبالغة بل واقع لا نراه لانه ما زال صغيرا ويافعا
في الختام نقد الاثار المترتبة على التقنية برغم انه الاكثر تاثيرا علينا هو نقد معتمد في الاساس على دقة هذه النتائج .. وبالتالي واذا كانت النتائج اصلا غير دقيقة و هذه التقنية لم تنضج بعد .. فكل هذه الاثار هي ناتجة من سوء فهم التقنية بسبب الدعاية التي يقدمها مزدو الخدمة عن كونها دقيقة .
وستبين الايام لنا علماء يحاولون تصنيفنا و تصنيف انسابنا بناء على هذه التقنية و ستسمع احدهم يقول لك انت من مجموعة تحمل الطفرة (H) وبالتالي عد الى بلدك الاصلي لست واحد منا

Related posts

الكوليرا حيث الماء سر الحياة وسر الموت

آلام مخفية

العلاج بالطب البديل

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...