الرئيسية تاريخ وسياحة مع بوركهارت في بلاد النوبة (ج13)

مع بوركهارت في بلاد النوبة (ج13)

بواسطة حسن المكاشفي
247 مشاهدات

نتوقف اليوم لنتدارك بعض عناصر الرحلة الأساسية، والتي توقف عندها بوركهارت أيضا، ولم يكمل سرد طريق رحلته في العمق النوبي إلى مناطق السكود والمحس، بل آثر التوقف عند الدر، والتحدث عن الطبيعة والمكان والسكان وأنواع الحياة البرية والنباتية التي مر بها في ما مضى من رحلته والتي امتدت من اسوان إلى الدر.
نلاحظ أن بوركهارت في ما مضى من الرحلة كان ينصب تركيزه الوصفي على أسماء المناطق وخريطة سير الرحلة ووصف المسافات بينها والتضاريس التي يمر بها الراكب، وأيضا المعالم الأثرية الهامه الظاهرة للعيان لمن هو في سفر متواصل، أي أنه لو كان مقيما غير مستجد المسير لإكمال سفره لكان بوركهارت قد سجل لنا أضعاف ما أورده هنا من آثار وبقايا المدن النوبية القديمة التي تعود لآلاف السنين، والتي بالطبع قد نهب بعضها وطمس الآخر تحت مياه سد أسوان، ومن بعده السد العالي.

نبته بلايا، أقدم ساعة زمنية و فلكية نوبية مكتشفة تعود إلى 12,000 عام، لمتابعة فصول السنة وحركة النجوم وتحديد وقت نزول المطر

نعتب هنا على قلة المصادر المحلية و ندرة الكتابة حول موجودات المنطقة النوبية من ثقافة إنسان تقاوم التغريب والتعريب تارة، وتقاوم التحريف تارة أخرى، وكذلك الموجودات الأثرية في مناطقها الأصلية قبل أن تحول لأماكن أخرى أو حتى تنسب لمن هم ليسوا بأهلها من الأساس، مما يترك مجالا لكل سارب ووارب ومتحايل لينسب لتاريخه ما ليس له به صلة لا شاردة ولا واردة.
وكذلك لا نجد تدوينا راتبا على حيوانات وطيور ونباتات المنطقة، والتي بالتأكيد لم يذكرها بوركهارت كاملة بل ذكر منها حسب ما رأى خلال مسيرة سفره، والتي تشترك مع الأرض في بلورة فكر وثقافة إنسان المنطقة على مدى التاريخ الطويل من التعايش والتشارك جيلا بعد جيل على امتداد المنطقة.

صفحة من الكتاب المقدس مكتوبة باللغة النوبية، والتي لن يستطيع أغلب نوبيو اليوم قرائتها بسبب انقطاع سلسلة تعليمها لمئات السنين

الآن وها نحن نحصد في أواخر أعوامنا هذه حصاد الإهمال والتسيب وعدم الحرص على تدوين وتوثيق موجوداتنا وإرثنا بالطرق العلمية، وبالمثابرة والاجتهاد وعدم الاعتماد على الغير، كان لا بد من وقفة حازمة وتصحيح للمسار، وتقويم للنهج، واتباع أساليب العصر الحديث في إثبات ما هو معروف من الحقائق بالضرورة، وما هو مخفي، وكذلك ما هو مغيب قسرا وعمدا.
وكما نرى فكلما يمضي جيل إلى أجله المحتوم، يضيع معه إرث كبير من المعارف والعلوم، والمفردات اللغوية، والتي لو وجدت حظها من التدوين والتسجيل لما حدثت هذه الفجوة بيننا وبين صلاتنا التاريخية والإرثية، وكما نرى كذلك هل كنا لنعلم عن طبيعة وشكل الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والحضارية، والطبيعية في بلاد النوبة بكل هذه التفاصيل التي وردت في مذكرات رحلاته لولا أن دونها ووصلت إلينا اليوم بعد ما يربو على القرنين من عمر الزمان؟! .

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...

-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00