يتحدّث البعض عن عودة صناعة السينما في السودان. لهذا الحديث أسباب عدّة، منها الانفتاح النسبي للفضاء العام بعد ثورة ديسمبر، الزخم والانتشار والجوائز التي حصدها فيلم مثير للجدل مثل ستموت في العشرين، وأهمها، بالطبع، جهل البعض لما تعنيه كلمة “صناعة”. كيف نتحدّث عن صناعة للسينما في غياب للإنتاج، وللممثّلين المحترفين، ودور العرض المهيّئة، وسيناريوهات جيّدة تصلُح للشاشة؟ كلمة “صناعة” تتجاوز النجاح الفردي لأفلام بعينها حتى ولو فازت بالأوسكار.
ما تفتقده صناعة السينما السودانيّة، بالتأكيد، كثير. وأسباب هذه الفقر والضعف قد ترجع لمسبّبات عدّة ولكنّني هنا، في هذه المساحة الضيّقة، وككاتب سيناريو هاوٍ، أودّ التركيز على أحد تلك المسبّبات — وألا هو غياب السيناريوهات وكتّاب السيناريو.
في الساحة الثقافية السودانيّة هنالك وجود – قد تتفاوت النسب – للفنّانين في أغلب الأشكال الفنّية: شعراء، روائيون، تشكيليون، مغنّون، مسرحيّون… إلخ. ولكن هنالك شُح وغيابٌ شبه تام لمتخصّصين في الكتابة للشاشة. صعوبة الإنتاج وقلّة الفرص علل تحد من دوافع الكثيرين للكتابة. ما الجدوى من كتابة سيناريو لفيلم لن يرى ضوء الإنتاج؟
نظرًا لكون الأفلام وسيناريوهات أشكال فنّية جديدة نسبيًّا نجد الكثيرين جاهلين بالأساسيّات الضروريّة التي تميّز هذه الشكل الفنّي ممّا يصعّب على البعض الدخول على هذه المجال والمحاولة بالتجريب فيه. فسيناريو الفيلم ليس بمسرحية ولا هو بالروايّة، على الرغم أنّه يشترك معهما في عناصر جوهريّة تتعلّق بسرد القصص عمومًا. فالصورة في الفيلم هي حجر أساس الحكي، وكل شيء عدا، ذلك مهما كان مؤثّرًا، يجيءُ لمساعدة الصورة في تحريك القصّة نحو النهاية.
أكثر ما يميّز الأفلام السودانيّة (الروائيّة منها تحديدًا)، على قِلّتها، هو الخطل والوهن على مستوى القصّة، الحبكة، بناء الشخصيّات وعالم القصّة — وهذه، يا سادة، هي أساسيّات كتابة السيناريو. واغلب صانعي الأفلام الموجودين بالساحة السينمائية حاليًا يأتون من خلفية تصويرية/فوتوغرافية، وقليل منهم من لديه معرفة بأساسيات كتابة السيناريو. صحيح أنّ أغلبهم لديه الشغف بالسينما، وذاكرتهم مليئة بالأعمال السينمائية العظيمة والكلاسيكيّات، لكن، مع ذلك، تنقصهم الخبرة والمعرفة بحرفة الكتابة للشاشة.
تفتقر الساحة السودانيّة لمعاهد ومراكز تهتم بتعليم السينما وكتابة السيناريو تحديدًا (ما يفعله سودان فيلم فاكتوري وحده لا يكفي بالطبع)، ولا يبدو أنّ الحكومة متمثّلة في وزارة الثقافة والإعلام ستضع السينما والفنون البصرية من ضمن أولويّات الدعم والتشجيع؛ ممّا يعني أنّ الوضع سيستمر في حاله إن لم يذهب إلى أسوء. الا يحقُّ لنا أن نتساءل، بعد كلّ ذلك، أين هم كتّاب السيناريو السودانيّون؟