إذا حصلت على سعة تخزينية لا نهائية و كاميرا صغيرة على رأسك تصور كل تفاصيل يومك بدقة عاليه… ذكريات شهر ..سنة ..10 سنين من التسجيل المتواصل طوال هذه الفترة، كل حدث، كل لحظة موثقة ومحفوظة فقط يلزمك ضغطة زر واحدة لإسترجاعها.
الوقت و بئر النسيان كفيلان بمداواة الجراح، و لكن أيضاً بدون الذكرى لن يكون لديك منظور لتقيم به حياتك و البيئة التي حولك لذلك ستفقد حياتك متعتها.
فما بين ذكرى أليمة ترغب بنسيانها وذكرى جميلة تحاول تخليدها للأبد تظهر معاناة هذه الذاكرة التي يتلاعب بها عقلك جيداً حسب ما يرى!
و لكن ماذا لو كان بإمكانك أن تمتلك أنت هذه الذكريات مثلها مثل الأشياء في ذاكرة هاتفك أو حاسوبك؟!
ذكريات لا تتلف و حقيقية لا خداع بها، يمكنك الرجوع لأي يوم تريد لأي لحظة ترغب وتشاهدها بدقة عالية، ويمكنك إعادة التشغيل والعرض بطيء الحركة و تكبيرها و رؤية أدق التفاصيل، ويمكنك حذف ما لا ترغب في رؤيته ويمكنك مشاركتها على الشاشة مع من حولك، ليس عليك أن تحكي ما حدث معك.. فقط أعرضه على الشاشة .. هل لديك ذكريات ترغب ببيعها؟ يمكنك تداولها أيضاً.
هل لا تعلم ماذا حدث معك بعد أن فقدت الوعي ؟؟ عليك فقط مشاهدة ذكرياتك السابقة لتعرف !!
في رؤية مستقبلية ليست ببعيدة حسب التطور الملاحظ الأن تدور أحداث الحلقة الثالثة والأخيرة في الموسم الأول من المرآة السوداء (Black Mirror) التي جاءت بإسم تاريخ شخصي خاص بك (The Entire History of you) حول تطور التكنولوجيا حيث يستطيع كل إنسان أن يزرع ذاكرة إلكترونيه تخزن كل تفاصيل يومه بكل دقة من خلال عدسة في عينيه و يحتفظ بها للأبد و يتحكم بها تحكم كاملاً من كل ناحية، و هي أغلى ما لديك و فقدان محتوياتها قد يكلفك كل ما تملك…. و لأن الذكريات من المفترض أن يتحكم بها عقلنا لا نحن كما نهوى فإن هذه القطعة الإلكترونية الصغيرة قد أظهرت لنا سلبياتها في صور عديدة خلال هذه الحلقة ..
ففي هذه الحلقة لدينا تاريخك الشخصي بكامله بكل لحظاتك السعيدة والتعيسة، المحرجة و التافهة، كلها داخل قطعة إلكترونيه صغيرة مغروسة خلف أذنك تسجل كل حياتك بكل تجاربك و بكل دقة و سعة تخزينها خيالية!!
” ألا ينتابك الفضول بدافع الشك أن تشاهد ذكريات أحد ما ؟ “
بمجرد أن تفكر في مثل هذا الأمر سوف يتضخم بداخلك شك يجعلك مهووس حول معرفة ما يوجد في ذاكرته، الأمر الذي يحول حياتك وحياته لجحيم لأن لا أحد يقبل بمشاركة كل حياته بماضيها وحاضرها لشخص واحد، فحياتك عبارة عن فترات وكل فترة تختلف من الأخرى من حيث تعاملاتك وطبيعتك وحتى الذين من حولك يختلفون طباعاً وأشخاصاً كل منهم له جزء من هذه الذكريات خاصاً به لا يحق للأخرين الإطلاع عليها، لذلك مثل هذه التكنولوجيا قد تدمر العلاقات، رغم ضروريتها و فائدتها لكنها قد تصبح لعنة بمجرد أن يصيبها فايروس الشك.