وزير العريس
ظلت إبتسامتي تعلو وجهي وتتسع كلما خاطبني أحد؛ وما أكثرهم. مقعدي أصبح مثل دواسة الفرامل لا أطأه إلا نادرا؛ بعد أن أُكمل حديثي مع أحدهم، وما هي إلا ثواني حتي يخرج إسمي من فم شخص ما فأنهض مصافحاُ.
لا أدري سببا للإبتسام، لا شيء يدعو للإبتسام قط، كل شبر في جسدي يؤلمني. تحسست جيب البدلة الفارهة التي أرتديها وأحسست بالهاتف ينام هناك ميتا في قبره.
-ربيكا…
قالها أحد الشباب الثلاث الذين احاطو بي؛ مستنكرا أن أحمل هذا الهاتف الرخيص مع هذه البدلة. ألقاه أرضا وهشمه بحذائه وطلب مني إخراج هاتفي الحقيقي ونقودي وكل ما أملك. قام أحدهم بتفتيشي عندما أخبرتهم انني أتيت بهذا الطريق وهذه الازقة لعدم إمتلاكي ثمن المواصلات. اليوم زواج أعز أصدقائي وأنا “وزير العريس”
أضحكتهم هذه العبارة حتي سقط أحدهم أرضا، أكملت قصتي بأني بعت هاتفي لأسدد إيجار الشقة للعريس لشهر العسل ولم يبق معي سوي ثمن إيجار البدلة، والهاتف ال” ربيكا” أمتلكه منذ فترة.
إنتهت قصتي وأعذاري
-أتدري منذ متي ونحن نتبعك؟؟
قبل إن أفكر في خيار لإجابتي صفعني علي وجهي وتبادل معه الباقون الأمر كأنها لعبة حتي لم أعد أحس بوجهي؛ لا أدري إن كان كل شيء في مكانه أم ان ملامحي تمازجت، كل ما أحسه أن الشفة السفلي تهدلت كأنما نشرت بعد غسيل.
-إنه يبكي هههههههه
-ننننننننننننتتتتتت…..
أردت أن أخبرهم أن عيني لم يعد لي سلطة عليها فهرب الدمع من سجنه فرحا، أنا لا أبكي… ولكن أدوات الكلام لم تسعفني…
– سنعطيك عذرا للبكاء يا “وزير العريس”
سحب أحدهم قدمي وكدت أسقط علي ظهري ولكن الآخرين أمسكاني كل من يد؛
عااااليا ثم إلي الأرض بقوة، عاااليا ثم إلي الاررض بقوة و…. لا أدري كم مرة حدث هذا؟!!، كنت أنتظر فقط خروج الروح وقد ظننتها خرجت، فقد سمعت أن ألم خروجها لا يوصف مثل ما أحس به الآن…
فتحت عيني وأنا لا أدري أهذه الدنيا أم أني في عداد الأموات.
تنحنحت لأجرب صوتي، حركت أطرافي، كل شيء يعمل!!.. بتوجس وروية تحسست بنطالي لأتأكد من أني لم أبلله، جاف، الحمد لله.
أصعب وأطول عملية نهوض قمت بها في حياتي كانت اليوم، الهاتف مهشم علي الأرض وشريحتي داخله، أصابعي لا تستجيب لذلك جرفت ال “ربيكا” المهشم جرفا بيدي المتصلبة ووضعته في جيب البدلة.
كان الصيدلي لطيفا؛ تفهم وضعي وقبل بإعطائي إبرة مسكن داخل الصيدلية مجانا، وعدته وأقسمت بأني سأحضر المبلغ. عدلت هندامي وأزلت الأتربة قبل دخولي الصيدلية في “مزيرة” قربها، والآن لا يفصلني عن بيت الفرح سوي دقائق.
“وزير العريس” قالها أحدهم وأنا علي بعد خطوات من الصيوان المغلق، ركضت إلي داخل الصيوان كالمجنون، ثم تنبهت فألتفت محيياً الشخص الذي ناداني، صافحني مترددا وهو ينظر داخل عيني.
ومن حينها، ورغم جلوسي في الصف الخلفي، وأنا اصافح وأردد ذات العبارات في مشهد متكرر، ذهب معه مفعول المسكن “خبرا لكان” .
والعريس هناك محمولا فوق الأكتاف، يبتسم متشدقا، تنتظره أجمل ليلة في عمره، و”وزير العريس” يبتسم أيضا مرغما فقد عاش أسوأ ليلة في عمره.