أصبح العالم على انفجار بيروت الأسبوع الماضي في مشهد مأساوي تحركت له إنسانية الشعوب عامة و المكلومة خاصة ، فالمشاهد متشابهة والأسباب واحدة رغم اختلاف طرق الانفجار ؛ وتراكم المشكلات السياسية والاقتصادية على لبنان كون بركان غضب كان لينفجر عاجلاً أم آجلاً ، ولكن عجلت به الأقدار ليأتي عن طريق مادة (نترات الأمونيوم) التي كان الاحتفاظ بها داخل المرفأ لست سنوات خطأ لا يغتفر ، فالكل مسؤول عن ما حدث لذلك وُجهت أصابع الاتهام مباشرةً الى الحكومة والأحزاب السياسية وحزب الله.
بعدها تدافعت بعض الدول العربية لتقديم المساعدات الإغاثية واللحاق بقطار الإعلام للظهور على المشهد ؛ رغم أن ما شهدته لبنان من فساد وانقسامات طائفية كان بتدبير ودعم من بعض هذه الدول ولكن من باب (قتل القتيل والمشي في جنازته) كان لابد من تصدر المشهد و استمرار الحديث المتكرر عن شعارات العروبة ووحدة العرب.
ما تعاني منه بعض الدول العربية من أزمات وتراكمات شهد عليها التاريخ نتيجة لسياسات خاطئة اتبعتها الحكومات السابقة ومازالت تتبعها الحكومات الحالية والإصرار على السير في نفس الطريق الموجه دون التغيير الى المسار الصحيح ، هكذا تأتي نتائجه وتدفع فاتورته الشعوب المغلوبة على أمرها إضافة إلى ضريبة اصحاب المصالح الخاصة و شلة من يحكمون.
الانفجار ليس جديداً ولا بعيداً عن الدول التي منذ استقلالها ظلت تعاني وتُحارب لحُريتها حتى تدنت مطالبها فأصبحت شعوبها تطلب العيش الكريم ليس إلا ، وكأنما خرج المستعمر وسلم الحكم لأشخاص بالوكالة أن تحكموا بما نوجهكم به فأنتم ما زلتم تحت أمرتنا وادارتنا ، هكذا تُدار بعض الدول بشكل جديد من أشكال الاستعمار ؛ لذلك كل التدخلات الدولية دائماً ما تحمي السلطة وتجهل موقف الضحايا وتقف مع الحليف وليس العدل وتطبيق القانون كما يرددون.
لبنان من أجمل البلدان العربية ولكن بداخلها فساد مُستشري وانقسام كبير مزق وشوه جمال تلك الأرض وجعلها جميلة في ظاهرها موجوعة و ممزقة من داخلها فكانت تناقضات كبيرة في وصفها لتبقى لبنان البلد الغني والفقير جداً ، لبنان البلد الذي في ظاهره نعيم وداخله جحيم ، جحيم لا يختلف كثيراً عن ما يجري في بعض البلدان مثل ( ليبيا ، اليمن ، العراق ، فلسطين ، السودان ، سوريا وغيرها) فبرغم اختلاف الدول إلا أن الأسباب واحدة و أهمها تحكم المصالح الخارجية في مصير الشعوب العربية.
انفجر السودان بعد ثلاثين عاماً جاءت انقلاباً و فساداً فحرك الشعب فوهة البركان وثار ، ظن الناس بعدها أن الشر قد هُزم والحكم والقصاص لمن ظلم فعاد المستعمر يُعيد تحريك الدُمى ليلعب لعبته من جديد ، فما كان يظنه الناس برداً وسلاماً بدأ بركاناً أخر يتجمع من جديد ويجمع الحِمم بتراكم الأزمات والمشكلات إلى حين موعد انفجار جديد.
رغم اختلاف الأحداث في مختلف الدول العربية إلا أن العامل المشترك بينهم جميعاً هو الخراب والدمار ، فلا توجد إنجازات ولا تطورات تُفيد الشعوب بل تجد كل الأمراض والانقسامات والانقلابات والعنصرية والانفجارات ، هكذا تعيش بعض الدول العربية بين الاضطرابات السياسية والاقتصادية وما زال الإنسان فيها يتمسك بالوعي والأمل الذي قد يكون سراباً ولكن يظل التمسك به من أجل الحياة.
ورقة أخيرة
دائماً ما يأتي الحزن والتعاطف بعد الانفجار فنرى تكاتف الشعوب والشعور بالإنسانية والوحدة العربية ، والمساعدات من حكومات الدول وغيرها من مظاهر الإنسانية والوحدة ، ولكن تظل الصعوبات بتغيير المُجريات قبل وقوع الكارثة ، فكل ما نحتاجه أن تعمل هذه الحكومات على مصلحة شعوبها وتتحد الدول مع بعضها لتصحيح المسار واختيار طريق الحرية والوحدة العربية الحقيقية وحفظ كرامة الشعوب ، فهذا كل ما نحتاجه قبل الانفجار.