الجدل الدائم والدائر حول معنى الحرية جعلها كلمة عائمة في بحر الحياة، فكل شخصً لديه أكثر من تعريفً مختلف ومعاني متعددة للحرية باختلاف الأراء والأفكار، لتبقي الحرية كلمة واحدة لها الف معنى رغم تعريفها الموجود بأنها إمكانية الفرد دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة.
لطالما كانت الحرية مطلب دائم ومستمر من شعوب العالم الثالث تجاه الحُكام والطُغاة على مر الزمان، ولما الاستغراب! وكل تفاصيل الحياة اليومية في كوكب الأرض من السياسة والاقتصاد والمجتمع والناس تدور حول الضُعفاء منهم في تلك الزاوية من الأرض، وكيفية التخطيط لهم ولحُكمهم واخضاعهم حتى تم فصلهم عن الركب وتسميتهم بـ(العالم الثالث).
العالم الذي تخلف عن الركب بفعل فاعل، هو العالم الذي تتم إدارته من العالم الأول وتُتَخذ قراراته المصيرية وفق ما تقتضيه مصلحتهم في كل شيء، حتى خضعت تلك الشعوب وأصبحت تبحث طيلة دورة حياتها في السبل لإيجاد طريق للعيش في مأمن، ولكن شعوب توالت أجيالها جيل بعد جيل ولم تجد لها سبيل.
ولما كانت الحرية مطلباً من تلك الشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها والتي ترى ضرورتها وعدم استقامة حياة الفرد بدونها، كان سالبي الحرية يتمادون في جبروتهم وظلمهم، غارقين في جهلهم مُستدلين بتفسيرهم الخاطئ لآيات الله في تفضيل الناس بعضهم على بعض، واتخاذهم بعض من كلام الدنيا قانون وقاعدة تقول أن (الناس مقامات) في تعريف واضح وإقرار صريح يُبين اللا مساواة التي أصبحت واقعاً مفروضاً يجب تغييره لا دعمه وإثباته.
تبقى للحرية مفاهيم كثيرة متشابهة وأخرى مختلفة باختلاف الزاوية التي يُنظر منها إلى المُصطلح نفسه؛ فالحرية عند الغرب تختلف عن الحرية في المجتمعات الشرقية، وفي الإسلام لها ضوابط ومفهوم، ولكن الاختلاف الكثير هذا لم يقلل من قيمتها الإنسانية، فظلت الحرية مفهوم يشغل حيزاً كبيراً من عقل الإنسان وتفكيره الدائم حول حاضره ومستقبله.
للأسف في وقتنا الحاضر أصبحت الحرية مجرد كلمة مستهلكة يتداولها النّاس في أحاديثهم؛ فبالرغم من قيام العديد من المنظمات والمؤسسات التي تُنادي بالحريات والحقوق الا أن الناس على دين ملوكهم يذهبون، والتاريخ لم يشهد على إقامة الحريات المطلوبة، لذلك قامت لأجلها الحروب والثورات ونادت بها كل الفئات.
ورقة أخيرة
تبقى الحرية التي تعنيها الشعوب غائبة في ظل اختلافات كثيرة جعلت من العالم شعوباً وقبائل وطبقات، فيها الحُكم تنازلياً من أعلى لأسفل (القوي يحكم الضعيف)، لذلك كانت وما زالت الحرية مطلب أساسي تُحارب من أجله الشعوب جيلً بعد جيل بحثاً في الخروج من سجن الحياة المفروضة عليهم بقوانينها المُقيدة، ولكن أصبحت الحرية هي السجن، فهي الفكر والانشغال الدائم، وهي من امتلأت السجون بطالبيها، وهلكت الأجساد ضحيتها، ودُفعت الأرواح ثمن لها، لتبقى الحرية كلمة مفقودة رغم تداولها الدائم وتعدد معانيها.
إلى لقاء …