جاء اعتصام نيرتتي ليذكرنا جميعا حكومةً و شعباً أن السودان ليس الخرطوم فحسب و أن هناك وطن ما هو أبعد من عطبرة و سنار ومدني وغيرها من المدن والولايات القريبة من الخرطوم ، فدارفور التي غُييبت عمدا عن المشهد لسنوات طويلة في عهد الإنقاذ خرجت اليوم من اجمل مُدنها (نيرتتي) التي تقع غرب جبل مرة.
خرجت نيرتتي برجالها ونسائها تقدم مطالبها وتشدد عليها وتعتصم لأجلها، في صور زاهية تشبه أهل السودان وتُذكرنا بمشاهد وصور اعتصام القيادة كثيرا.
دارفور وولاياتها التي لا يعلم أغلب أهل السودان عنها شيئا، أنها مكان للطبيعة الساحرة وجمالها ولا يعلمون أن الخير لا يفارق أهلها ولا أرضها.
قدمت الإنقاذ صورة مغايرة عن دارفور وأهلها وعرفتها للجميع على أنها إقليم الحرب والنزاعات القبلية والتمرد وبؤرة المليشيات ومنطقة اللا قانون وهم من فعلوا ذلك عمدا فأخرجوا لنا المشهد الذي يريدون، ليس كما يريد أهلها.
تظل مطالب الأهالي حقوق مشروعة زادت شرعيتها بعد الثورة، فإن كانت الثورة حق أعيدوا لإنسان دارفور كرامته وإن كانت كذلك أعيدوا لتلك الأرض جمالها فكل ما حدث فيها وما يحدث الآن هو طمس للهوية وإنكار للحقوق.
مطالب أهالي نيرتتي في مجملها هي مطالب أهل دارفور وأهل السودان عامة الذين يعانون في مناطق كثيرة أخرى، ودعم مثل هذه الوقفات بتنفيذ شعارات الثورة وتكاتف الجميع إقرارا بمشروعية تلك المطالب هو التغيير الحقيقي الذي تحدثه الشعوب لا الحكومات. فالترابط والتكاتف يقوي من يعاني مهما كان ضعيفاً ، ليدفع بقوته كل من يسعى إلى الدمار والخراب والفوضى.
صحيح أن الثورة لم تحقق مطالبها حتى الآن ولكن الثورة في مضمونها إن لم تنصف انسان دارفور فكأنها لم تأتي بعد فالمطالبة بإقالة مسؤول فاسد إن لم تكن الآن فمتى؟
وجمع السلاح وإيقاف النهب والسرقات التي عاشوها طيلة السنوات الأخيرة حق مشروع إن كنا نتحدث عن السلام وعن الوطن الذي يسع الجميع.
القبض على الجناة الذين تم فتح بلاغات بحقهم وتقديمهم للعدالة لإنصاف الضحايا أمر طبيعي إن كان للقانون عدالة وللدولة سيادة.
فتح المسارات والسواقي لتجاوز الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين قرار بسيط يسهل على الجهتين ويساهم في إنجاح الموسم الزراعي ويوقف التوتر بين من يزرع ومن يرعى.
مطالب في مجملها حقوق أساسية لا تحتاج إلى اعتصام ولا تظاهرة ولكن لم يشعر الأهالي في نيرتتي بتغيير بعد الثورة فخرجوا يذكروا الجميع أن السلام والأمن أولا وقبل كل شيء، فلن تنصلح البلاد ولا الاقتصاد ما لم يتوفر الأمن اللازم والسلام الدائم.
وكيف نصحح المسار ونحن لا نملك الطريق من الأساس!
ورقة أخيرة
وصول التلفزيون القومي وبث مشاهد من الاعتصام أمر لم يكن ليحدث في عهد النظام السابق ولكن إعلام الثورة وحده لا يكفي، فقط تحقيق المطالب كفيل بأن يرجع الأهالي إلى بيوتهم كما أخرجهم منها.
وبعد إعلان إستجابة وفد الحكومة الاتحادية لمطالب أهالي نيرتتي كاملة نتمنى أن تتحقق المطالب على أرض الواقع وتٌرد الحقوق إلى أهلها فهم لا يستحقون ذلك.
إلى لقاء