حينما نسمع عن مصطلح العشوائية يتبادر إلى أذهاننا السلوك الشخصي للإنسان وعدم تطوره وعكس ذلك على تصرفاته وأسلوب حياته الذي يبدو رجعياً بعض الشيء ، مما يعني تخلفه عن الركب في اللحاق بقطار الحياة المتسارع والمتطور، كما تقودنا العشوائية إلى المقارنات على مستوى الأفراد والجماعات، فالشخص ذو السلوك العشوائي غير مرحب به عند أهل النظام والترتيب، ووجود جماعات ذات سلوك عشوائي يُشير إلى خلل ما يكمن في ذاك المكان، إما خلل فكري انتشر بمنطقة عشوائية وسط حياة فقيرة انشغل مجتمعها بتوفير أساسيات الحياة، ومع اختلاف الأولويات تكّون السلوك العشوائي على شكل مجموعات، وإما حياة غنية مادياً تقودها الرفاهية ولكن تسير بتفكير عشوائي، قد تبدو الصورة كذلك في معظم الأحيان ولكن ماذا عن عشوائية الدول والمجتمعات الكبيرة؟
وهل توجد مجتمعات بأكملها تعاني من العشوائية؟
قد تختلف الإجابات لهذه الأسئلة ولكن تتفق الآراء على أن العشوائية موجودة في كل تفاصيل الحياة، لا تحتاج إلى زمان مُعين ولا مكان محدد، طالما أن هناك تفكير عشوائي وتخطيط عشوائي وقرارات عشوائية كما ذكر ذلك المؤلف جايمس غليك في كتابه (نظرية الفوضى).
العشوائية في مفهومها العامي تعني الفوضى وكلاهما عكس التنظيم والترتيب لذلك يظل المفهوم المجتمعي للعشوائية مرتبط بالمكان أيضاً إلى جانب السلوك الشخصي للأفراد، تلك هي الصورة النمطية التي صورها المجتمع للكثيرين فالذي يعيش في المدينة يرى أن العشوائية تكمن في الريف وسلوك إنسان الريف، والذي يعيش في الريف صدق و أمن بذلك، فأصبح تعريف العشوائية يختصر على صفات معينة أو طبقة مجتمعية محددة.
إذا تجاوزنا العشوائية في معناها البسيط واختصارها على سلوك الأفراد، وتمعنا أكثر في العشوائية لدى الدول والمجتمعات الكبيرة ذات التعداد السكاني الكثيف، والحديث مباشرةً عن دول العالم الثالث التي ظلت تعاني من العشوائية بكل أنواعها، فالدول الضعيفة والفقيرة اقتصادياً ليست عشوائية في طبيعتها ،ولكن هناك من يبذل الجهد وينفق المال ليصنع لتلك الدول والمجتمعات عشوائية منظمة لكي تسير الحياة وفق مُجريات السياسة والمصالح التي تتحكم بها، والا فان الطبيعة البشرية تميل الى التنظيم والمجتمعات مبنية على فكر العمل الجماعي والجهود الموحدة لتنمية المجتمع، وكل ما يوفر الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار والتطور والتقدم كأفراد ومجتمعات بعيداً عن كل ما يثير الفوضى من زعزعة وإضطرابات.
ارتباط العشوائية بالإمكانيات المادية والإدارة الجيدة حقيقة لا يمكن تجاوزها فالمال يفقد قوته في ظل الإدارات السيئة، والعقول النيرة وحدها لن تبني للمجتمعات تلك الحياة الجميلة والمنظمة، لذلك كل ما يدور في العالم من اضطرابات وعدم استقرار وكل مرادفات العشوائية والفوضى ليس بمحض الصدفة، بل هي أفكار وتنظيم أشخاص وإدارات وسلطات كونت بسياساتها عشوائية منظمة وأحكمت السيطرة عليها.
ورقة أخيرة
يبقى تطور وتقدم المجتمع الغربي على نظيره الشرقي واضح بسبب أن الغرب وضعوا القوانين المنظمة لحياتهم وطبقوها على الجميع دون استثناء فاختفت العشوائية بنسبة كبيرة في ظل وجود الأنظمة والقوانين، أما المجتمعات الشرقية التي تفرض القوانين وتطبقها بالقوة على الفقراء والمساكين لن تحقق التقدم المطلوب في التنظيم والاستقرار، فلا الضعيف يقوى على ذلك ولا القوي يحترم تلك القوانين، وفي ظل وجودها أصبحت العشوائية منظمة يقودها من وضع قوانينها حسب قانون البقاء للأقوى وتفعيل منطق حكم القوي على الضعيف.