ما زلنا نعيش في مجتمع كثيراً ما تحكمه العادات وتتصرف به التقاليد وتبهره الحاجات ودائماً ماينطق لسانه الذكريات، فمهما حاولنا النسيان إلا أن الذكريات تبقى موجودة بداخلنا قد لا تحرك ساكناً لفترات طويلة، ولكن ما أن يأتي وقتها أو يقترب موعدها تجد الجميع ينطق بها ويحتفل لها رغم إختلاف الأراء حولها، فبعض الذكريات قد تذهب بنا لعالم جميل نتذكّر فيه أجمل اللحظات، وبعضها حتى وإن كانت مؤلمة يبقى لها أنين خاص داخل النفس، فقد تجمعنا الدنيا بأشخاص أو قد نمر بأماكن قد لا نتحسس أهميتها في وقتها، ولكن عند الإبتعاد نشعر بقيمتها ومدى تأثيرها فنعيش بذكريات وأمل على عودة تلك اللحظات من جديد.
هكذا تبدو الذكريات بشكل عام و رابط الوصل بين الشخص وذكرياته يكون إما مكان أو زمان، وذكريات شهر من شهور العام والتذكير به كمناسبة سنوية بمثابة حدث غريب في كل عام ، ولكن قد تربطنا الذكريات بشهور معينة أو سنوات محددة، ولعله شهر أكتوبر أتى بكثير منها فهو من أشهر الشهور في سنة الميلاد، وبداية شهر أكتوبر دائماً ما تكون بداية جديدة لذكرى قديمة كانت خضراء لما أينعت ونضرت في ستينيات القرن الماضي، ولكن ما أن مكثت قليلاً وفرح الناس بها، ذُبلت ويبست فماتت سريعاً وصارت صفراء اللون، جافة الملمس، كئيبة الملامح، عديمة اللون والطعم والرائحة، فقد هجرها البعض وغدروا بها وأهملها الراعي ولم يسقها، لم يسقها صدقاً ونبلاً ، لم يسقها كرماً وعدلا ً بل سقاها كرهاً وجهلاً ، حقداً ونفاقاً، لذلك كانت المحصلة مزيداً من الوجع فجاءت المعاملة أشبه (بلن تموتوا فتستريحوا ولن تحيوا فتعيشوا ) فلم تعش الثورة في عزة وشموخ كما ثارت، وكأنما أبلغنا الحاضر صديق المستقبل أن الشعب لم يعد يستطيع كتابة التاريخ، فكلما حاول جاهداَ يطلب الحرية والكرامة وقف له أصحاب المصالح الخاصة والمتربصين يُمثلون دور العدو المتخفي وراء المصلحة العامة وحب الوطن والسلام، ليبقى حال ديسمبر من حال أكتوبر والمحصلة دائماً لا تشبه التضحيات المُقدمة، ليبقى أكتوبر فقط شهر الذكريات، ذكريات الثورة والعزة والكرامة فيعود الناس في كل عام يمجدونه ويذكرونه كفجر جديد للحرية، فيه عادت الحياة إلى طبيعتها وكل شيء في ذلك الزمان كان جميلاً ورائع، الروح الوطنية والنفوس الطيبة المليئة بالعزة والشموخ، نتساءل الآن عن تلك الصفات وعن الوطنية التي راحت ولن تعود في هذا الزمان!
أكتوبر أيضاً لا يخلو من ذكريات الأغنيات وربيع العمر ومنتديات الشباب.
أين حب الوطن والإنتماء يا شعب غرامه الحرية
بأسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني
والحقول اشتعلت قمحا ووعداً وتمني
صباح الذكريات وعهد الرجال
أشعل التاريخ نارا فأشتعل
بأسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني
والحقول اشتعلت قمحا ووعداً وتمني
صباح الذكريات وعهد الرجال
أشعل التاريخ نارا فأشتعل
ولكن دائماً ما يعود أكتوبر والظلم أكثر والجو أغبر والحُكم عسكر.
عسكر في سكنات الضيق ولم يلقى البراح وصعب الأمر عليه فاتخذ الحياة مُزاح.
عسكر في سكنات الضيق ولم يلقى البراح وصعب الأمر عليه فاتخذ الحياة مُزاح.
ذهب أكتوبر لأكثر من ذلك فقد أصبح أكتوبر الوردي شهر العاقلات، وشهر الجميلات وشهر العظماء وأكتوبر بداية الشتاء وأكتوبر الميلاد بحسب ما يحمله الشباب والفتيات من مسميات.
أكتوبر الوردي كذلك شهر خاص بمجتمع النساء والأمهات وفيه توعية كبيرة للسيدات بشتى أنواع الحملات والتي كان الكشف المبكر عن سرطان الثدي أبرزها، وقد أعلن عنها شهر أكتوبر وكان لها تاريخاً وعنواناً وزماناً.
أكتوبر الوردي كذلك شهر خاص بمجتمع النساء والأمهات وفيه توعية كبيرة للسيدات بشتى أنواع الحملات والتي كان الكشف المبكر عن سرطان الثدي أبرزها، وقد أعلن عنها شهر أكتوبر وكان لها تاريخاً وعنواناً وزماناً.
كذلك ذكريات الميلاد لكثير من الأحباب جعلت منه أكتوبر الزهري، فقد حمل في أيامه زهو الشباب وملتقى الأحباب، وذكريات مع الأصدقاء جعلت منه أكتوبر الجميل بما يحمل من معاني الود والوئام بين أصدقاء الدراسة وأصدقاء الحي الواحد وغيرهم من مختلف أنواع الصداقات.
ورقة أخيرة
تختلف مسميات شهر أكتوبر بإختلاف المناسبات وكثرة الذكريات، فبين كل هذه المسميات لا زلت ابحث عن أكتوبر الآخر، أكتوبر السلام على الواقع وليس الورق، أكتوبر الوحدة الوطنية، أكتوبر النجاح، أكتوبر الحرية بمعناها الحقيقي، ولسان حال الشباب يقول قادمون يا أكتوبر إن لم يكن اليوم فالغد، ولنحيا بأمان فالطريق وعر وطويل والحلم ليس حلم العودة بل هو حلم الانطلاق نحو غدً أفضل وحياة مُغايرة وليكن أكتوبر شهر البدايات.
إلى لقاء