في نهاية العام دائماً ما نسترجع بعض الذكريات، خاصة التي نُريد والتفاصيل التي نُحب، ونستخرج من ذاكرة العام شريطاً يمر سريعاً ليعرض لنا ما كان من أحزان لتتفقد الذاكرة تفاصيلها، خاصةً ونحن شعب نميل للحزن قليلاً أكثر من الفرح، فنتوقف عند كل ذكرى حزينة لوحدها سواء كانت فقد جلل بموت شخص عزيز، أو فراق دنيا بين الصُحبة والأهل، أو فراق حبيب لم تكن القسمة قدره فأخذ النصيب متاعه ورحل.
كذلك قد يكون ديسمبر وقت الحصاد لكل شخص ما زال يؤمن بالزراعة، فحرث وزرع ورعى زراعته وجنى ثماره، جنى تلك الثمار نجاحاً وتفوقاً في بيته وعمله ومجتمعه، وحرث حين أمن بفكرته تجاه بيته الصغير ومسؤولياته الكبيرة تجاه مجتمعه.
زرع الأمل في نفسه وأمن بقدراته وتفائل بمستقبله، فكانت النتيجة سعي جاد وحصاد مُثمر.
مر ديسمبر كغيره من الشهور فكان كما العادة في آخره أفراح وإحتفالات باستقبال عام جديد، ووداع عام بكل تأكيد لدى كل شخص منا المحصلة الكافية والتي ترجح كفة فيه ميزان النجاح أو الإخفاق، فحصاد العام كبير وما مر به المجتمع من أحداث كثيرة قد تختلف بإختلاف تنوعها، سواء كانت أحداث سياسية أو اقتصادية واجتماعية، بل حتى ثقافية وفنية خلال العام، ودائماً ما تنشط الأعمال الفنية والغنائية مع نهاية ديسمبر وبداية يناير حيث التقاء مناسبتين في يوم واحد.
تبقى الأولى الاحتفال باستقبال سنة جديدة فيها من الدعوات والأمنيات الكثير، لكل شخص أخفق في الماضي ولا زال يبحث عن التغيير، التغيير إلى الأفضل بإنجاز المهام وتحقيق الاحلام باختلافها وبساطتها، فالشباب في بلادي وكل من في مقتبل العمر أصبح همهم الوحيد وحلمهم الذي يحلمون به يقظة و نوماً هو الاستقرار، وتوفر الرزق وستر الحال، ولكن جاء العام (2020م) وكان أصعب امتحان للمواطن السوداني البسيط، الذي لم تشفع له أعمال السنة ولا حضوره الدائم للأزمات في أن ينجح في الامتحان، رغم أن الامتحان بدأ مكشوفاً وقد تسرب قبل أعوام ورغم ذلك لم ينجح أحد ولم ينجو أحد، فالأزمة (مكانا وين)، لم يعرف أحد.
المناسبة الثانية هي الاحتفال بذكرى الاستقلال المجيد والذي تحتفل به البلاد في الأول من يناير من كل عام، حيث تتجمع الحشود للحفلات الغنائية والكل يردد ما تغنى للوطن وللسلام والعزة والكرامة، عسى ولعل ينال الشعب من الكرامة ولو القليل في العام الجديد، فقد وصل بنا الحال إلى لقمة العيش، فكل الأزمات يصبر الناس عليها ويجدون لها الحلول حتى وإن كانت حلولاً بديلة، ولكن ما يدخل في عيش البسطاء تبقى حلوله صعبة للغاية.
امتحان صعب يمر به الوطن ولن ينجح أحد في ظل الوضع الراهن، فالأزمة في تفاصيلها تحمل عدة أزمات نتيجة لكثير من الأخطاء والتراكمات التي عشنا فيها لسنوات.
ورقة أخيرة
الأزمات المتكررة جعلت البعض يسب الوطن ويشتم الهوية ويلعن التراب، ومن ضاقت به الكُربات لن يفهم لك ما تقوله من فلسفة ظلت تقول أن التراب هو الوطن، وأن من يحكمك هم مُجرد قادة لهذا الوطن، فالجوع كافر، والموت واحد، والوطن هو حيث يكون المرء بخير.