تغيرت الكثير من مُجريات الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد الربيع العربي الذي زار مُعظم الدول العربية، فقامت الثورات وتعرفت الشعوب إلى حقيقة الحكام العرب بعدما عاثوا الفساد في الأرض لسنوات طويلة، فلم تعد خبايا السياسة وأساليب الحكم تخفى عليهم، وأصبح اللعب على المكشوف بين الحُكام وشعوبهم لذلك لم يكن خبر تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل بالخبر المفاجئ الذي يُثير ضجة واختلافاً ويُحرك الشعوب كما لو حدث قبل سنوات الربيع العربي، فلم تعد الشعوب العربية غافلة عن حكامها وما يفعلون، وعرف الجميع من العدو ومن حليفه.
التطبيع مصطلح سياسي يُشير إلى جعل العلاقات (طبيعية) بعد فترة من التوتر والقطيعة ، ولكن عن أي توتر يقصدون؟ فالتاريخ لا يُنسى ولا يُمحى، فمنذ فجر الإسلام ظهرت عداوة اليهود للإسلام والمسلمين كما بينها القرآن الكريم في آياته، لذلك ارتبط مصطلح (التطبيع) مع إسرائيل فقط لا غيرها، لأنه من اللا منطق أن تكون العلاقات طبيعية مع من احتل الأرض وقتل النفس وشرد واغتصب.
للأسف قضية فلسطين ومنذ سنوات تحولت إلى قضية سياسية تقودها المصالح الشخصية لحكام الدول العربية بعيداً عن أراء الشعوب وهتافات الكثيرين منهم في التعامل مع فلسطين المُحتلة كقضية إسلامية عربية لا يمكن التخلي عنها، ولكن ظلت مُعظم حكومات الدول العربية تُمارس علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل منذ سنوات (تحت الظل) ويبدو أنه حان وقت الظهور في العلن، لذلك بعد إعلان تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل وفي نفس التوقيت قامت حكومات الدول (اللي على رأسها بطحة) ووجهت أعلامها وبرامجها إلى نشر أخبار التطبيع وتغليفه بغلاف السلام، وتزييف التاريخ ونشر الأكاذيب وتصديقها لخلق تاريخ مُزيف يُخاطب الأجيال الصغيرة والأجيال القادمة على أن إسرائيل ليست عدو، وأنه يمكننا أن نتعايش مع من قتل وظلم واحتل تمهيداً للتطبيع مع دول عربية أخرى.
تظل تلك المفارقة بين حكام الدول العربية وشعوبهم بل في كل يوم تزيد المسافات بينهم، فالشعوب تبقى على ترابطها ووحدتها ومبادئها، والحكام يعملون لمصالحهم الشخصية وكل ما يضمن لهم البقاء أطول فترة ممكنة على كراسي السلطة، كما تظل الشعوب هي من تُعبر عن أوطانها وآراءها تجاه القضايا العربية والإسلامية، ويظل القادة والحكام في محاولات دائمة لتزييف هذه الحقيقة وتوجيه الإعلام لتصوير كل ما يهدف لمصالحهم فقط، والتحالف مع كل من يمكنهم ويساعدهم في الجلوس على كراسي الحكم أكثر فأكثر.
ورقة أخيرة
تظل الحقيقة في مضمونها أن القضية الفلسطينية تتعاطف معها الشعوب العربية حقيقةً وفعل، أما الحكومات فتلعب لعبة السياسة وتذهب حيث تكون المصالح الشخصية، وأما تطبيع الإمارات مع إسرائيل فما هو الا زواج عُرفي امتد لسنوات فقرر الطرفين الإعلان عنه اليوم ليصبح (زواجاً رسمياً) يُمهد لمناسبات أخرى قادمة تنقلنا من التطبيع تحت الظل إلى العلن ومن أرض النفاق إلى أرض الواقع.