كلنا نتفق أن التطور العلمي والتكنولوجي والاجتماعي وضع بصمة في بناء تفكير ووعي كل الطبقات الاجتماعية بما فيها الطبقة العاملة.
لم تعد الطبقة العاملة هي نفس الطبقة التي وضع لها ماركس نظريته الاقتصادية والفلسفية بناء على فهم مجريات حياتهم ومتطلباتهم العملية وما يناسبهم في ذلك العصر !!
بمعنى أكثر اتساعاً … المجتمع البشري لم يعد نفسه المجتمع البشري الذي حلله ماركس واستنتج من واقعه الكثير من أحكامه النظرية … خاصة موضوعة الصراع الطبقي التناحري الذي لم يحدث منذ عصر ماركس وحتى يومنا !
وأن البروليتاريا لم تعد بروليتاريا مسحوقة … بل فئات اجتماعية لها مكانتها الحاسمة في عملية الإنتاج … وأن هناك طلب يتسع للمهنيين ذوي الخبرة والمعرفة التكنولوجية والإدارية … والعامل غير الملم بتشغيل الماكينات والتجهيزات الآلية هو عامل هامشي في الحساب الاجتماعي والاقتصادي وسوق العمل.
التأهيل ومستوى المعرفة للعامل اختلفت.
الصناعة لم تعد تعتمد القوة الجسدية فقط … المهنية أصبحت ميزة هامة للعامل.
المعرفة التكنولوجية أصبحت ضرورة لا قيمة للعامل بدونها.
الآلة التي كان الظن أنها ستحل مكان العامل في العمل طورت العمل والإنتاج وانعكست على تطوير المبنى المهني والعلمي للعمال … فرضت مستوى مرتفع للمعارف وطابع العمل وشروطه وغيرت العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
الموضوع لم يعد مجرد بيع قوة عمل .. هذا التعريف البدائي سقط.
العامل لم يعد مجرد قوة عضلية … بل عامل مهني يملك ثقافة تكنولوجية وعلمية لا إنتاج ولا إنتاجية بدون دوره الإنتاجي وحصوله على شروط عمل وامتيازات كانت حلما في السابق.
أصبح صاحب العمل بحاجة ماسة للعمال المهنيين والتكنوقراطيين.
أي بات نوعاً من التعادلية بين العامل وصاحب العمل.
لم يعد العامل عبدا مضطرا لبيع قوة عمله … بل يختار من يدفع الأجرة المناسبة مقابل قدراته المهنية والتكنولوجية والإدارية … وحيث ترتفع الأجور يذهب العامل.
أصبحت المنافسة على العامل المهني تفرض واقعاً مختلفاً في علاقات العمل … أي نشا صراع بين أصحاب المشاريع الصناعية لتجنيد العمال في مشاريعهم .. وهنا جرى اختراق الأجور وشروط العمل الى اتفاقات عمل عامة واتفاقات عمل خاصة.
اختفى كل مفهوم الصراع الطبقي التناحري … هناك نضال من اجل تحسين الأجور وشروط العمل والتأمينات المختلفة.
إن تطوير الآلة فرض ضرورة تطوير جيل جديد من العمال التكنوقراطيين … بحيث أصبح صاحب العمل يضطر إلى شراء مهنيتهم بإغراءات المعاش وشروط العمل.
كان العامل سابقاً الصناعي أو الزراعي … يعمل كل حياته دون أن يتبدل شيئا من أدوات الإنتاج أو من العلوم والتكنولوجيا التي تتعلق بنوع عمله أو إنتاجه … إذا تبدل شيء ما فهو غير ملموس ولا ينعكس على العامل نفسه إلا بشكل سطحي وفردي.
أي أن أدوات عمله لم تتغير … ظروفه المعيشية ظلت خاضعة لزمن طويل جدا لنفس الشروط الاقتصادية التي لم تتأثر بأي تطور يغير من مردود إنتاجية العمل.
منذ أواسط القرن العشرين نلاحظ أن التطور العلمي التكنولوجي بدأ بقفزات هائلة … أدوات الإنتاج تتبدل وتطور سنويا أو ما دون ذلك أحيانا .. من الألة البسيطة الى الآلة الميكانيكية … ومنها الى الآلة الالكترونية … ودخل عالم الهايتك في الإنتاج … العمل العضلي يخلي مكانه للعمل الفكري حتى في الصناعات الثقيلة.
أدوات تنفيذ المهمات المهنية تتطور باستمرار.
إنتاجية العمل تضاعفت بشكل لا يمكن مقارنتها مع المراحل السابقة.
الثروة تضخمت بشكل أسطوري … العامل المهني اليوم يجدد أدوات إنتاجه بسرعة تزيد عشرات المرات عن القرن التاسع عشر … ما طور في القرن التاسع عشر كله تطور في القرن العشرين كل سنة تقريبا … وفي القرن الحالي (ال 21) بسرعة أكبر.
إن الثورة العلمية التكنولوجية أصبحت تشكل انقلاباً اجتماعياً واقتصادياً في حياة المجتمع البشري.
هذا الانقلاب لم يأخذ مكانته بشكل كامل في الأدبيات الاقتصادية، الاجتماعية لليسار عامة واليسار الماركسي (الشيوعي) خاصة وبالتحديد.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا بالغ الأهمية:
هل يمكن التعامل مع النظام الرأسمالي بنفس العقلية التي سادت المجتمعات البشرية قبل الثورة العلمية التكنولوجية؟
هل تشكل الماركسية في عالم اليوم المتطور … أداة إيديولوجية يمكن أن نبرمج على أساسها نهجاً سياسياً حزبياً بنفس المسار الذي ساد القرنين السابقين القرن التاسع عشر والقرن العشرين؟
ارتباط:
الماركسية
الشيوعية هي مرحلة كان لابد منها في تاريخ البشرية .. تأتي بعد مرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المرحلة اللاقومية .. ويرى ماركس أن الصراع التنافسي للبرجوازية يولد العهد الكوسموبوليتي…