في عوالم عجيبة أقرب ما تكون للواقع و مع ذلك مليئة بالخيال، قطارات تسير على الماء ومشعوذين وتنانين في فيلمنا لهذا اليوم كما عهدنا في أعمال هاياو ميزاكي…
اقتبس ميزاكي شخصيته الرئيسية عن إبنة صديقه الذي ذهب معه في رحلة ومما رأى فإن أغلب الأعمال المقدمة لتلك الشريحة العمرية رومانسية و قصص حب، فأراد أن يمنحهم شيء مختلف بطلة مثلهم ليس لها قوة خارقة ولا جمال خلاب، فقط طفلة في العاشرة من عمرها بكل بساطة..
صادف الـ20 من الشهر الجاري (يوليو) مرور 20 عاماً على إصدار وظهور فيلم Spirited Away أو ما يعرف لدينا بالمخطوفة..
حقق الفيلم من النجاح ما يتمناهـ أي مخرج ومُنتِج لعمله وفاز بـ 95% من الجوائز التي ترشح لها بمجموع 34 جائزة من ضمنها جائزتي الأوسكار لأفضل فيلم صور متحركة و الدب الذهبي في عام 2002، تنوعت الجوائز ما بين أفضل موسيقى في فيلم وأفضل مخرج وأفضل فيلم، حينها إجتاح شباك التذاكر حول العالم محطماً أرقاماً قياسية و حافظ على ذلك التصدّر إلى وقتٍ قريب.. فما قصة هذا الفيلم..؟
Spirited Away
(Sen to Chihiro no Kamikakushi)
Chihiro /تشي-هيرو/ هي فتاة في العاشرة من عمرها لم تتقبل حقيقة أنها و أهلها سينتقلون لمدينة أخرى و بالنسبة لها مدرسة أخرى، و في طريقهم لمنزلهم الجديد يقرر والدها أخذ طريق مختصر عبر الغابة مروراً بالـ (Torii) وبعض التماثيل الصخرية وصولاً إلى نفق غريب في منتصف الغابة، وما أن يقودهم فضولهم إلى الداخل ليجدوا ما يشبه محطة القطار وما بعده كان أغرب كان كما وصفه والد تشي-هيرو بأنه مدينة ملاهي مهجورة، لكن الغريب في الموضوع وجود رائحة طعام زكية كما لو كان هناك مطاعم حية و بالفعل لم يخب ظنهم فقد وجدوا أشهى المأكولات و بكميات كبيرة، لم يتردد والدا تشي-هيرو ونادوا أياً كان صاحب المطعم و بدأوا بالأكل، لم تُرد هي تناول الطعام بل قامت بإستكشاف المكان إلى أن وصلت إلى جسر في نهايته مبنى ضخم (يتضح فيما بعد أنه منتجع لحمامات البخار للأرواح)،
وعلى الجسر تلتقي هاكو فتى يبدو في نفس عمرها لم يكن مُرحِباً بها بل على العكس ارتعب من وجودها وأخبرها أنها لا يجب أن تكون هناك وعليها أن تغادر المكان في الحال قبل مغيب الشمس، لكن كيف لها أن تغادر مدينة مليئة بالأرواح و منقطعة تماماً عن عالمها الخارجي، فلا الطريق الذي قدمت منه مثلما تركته ولا أهلها ولا حتى جسدها بقي كما كان..!
وهكذا تبدأ رحلتها للنجاة والبحث عن طريق العودة و إنقاذ والديها، خلال رحلتها تلتقي بالعديد من الشخصيات والكائنات منهم ما يشبه البشر ولكن ليسوا ببشر ومنهم من لا جسد له و هناك الكيان الغريب الذي يبدو كهالة سوداء و يرتدي قناعاً أبيض اللون..
لطالما كان هاياو ميزاكي (مؤلف ومخرج الفيلم) مؤمناً بوجود الأرواح والآلهة كما نرى جلياً في الفيلم معالم الشينتو (معتقد أو ديانة تؤمن بالأرواح والطبيعة وعلاقتهم الوطيدة بالبشر) في بداية طريق الغابة، مما يُنبأ برأيي ببداية رحلة تشي-هيرو لعالم الأرواح، ها هو الـ Torii (مدخل أو بوابة يابانية تقليدية تكون غالباً مدخل لمعبد الشينتو) محاطة بأضرحة صغيرة أقرب ما يكون شكلها أكواخ صخرية
عندما إنتبهت لها تشي-هيرو وسألت والدتها فأجابتها: “هي معابد صخرية .. منازل للآلهة”. يمثل الـtorii مكانًا ذا قوة فائقة يمكن أن يحدث تغييرات في حياة المرء، ولكن للاستفادة من تواجد كامي-ساما (الآلهة) الذي يسكن مثل هذا المكان، يجب توعية المرء بوجودهم، يمكن أن يحدث هذا الإيمان إذا انتقل المرء بشكل تجريبي من العالم الدنيوي إلى العالم حدودي (عالم الأرواح)، والكثير غيرها من الأمثلة التي تطرق إليها ميزاكي خلال الفيلم..
من أحد المشاهد التي ربطها ميزاكي بأحداث حقيقية كذلك عندما تسلمت تشي-هيرو أول مهمة لها لتنظيف ذلك الكائن”الروح النتنة” لتجد شيئاً غريباً كما لو كان مقبضاً، فقامت بمساعدة يوبابا (مالكة المكان) والعاملين بربط حبل حوله وسحبه معاً ليتبين أنه روح نهرٍ كانت ملوثة بمخلفات البشر..
كان ميزاكي من الناشطين وممن يدعوا لسلامة و نظافة البيئة وبالفعل قد شارك من قبل في حملة تنظيف لنهر، فكما قال: “لقد قمت بتنظيف نهر من قبل، نهر في المحلية التي أسكن بها، و كان هنالك دراجة! كانت عالقة في النهر و عشرة منا قاموا بربط الحبل حول مقبض الدراجة و قمنا بسحبها ببطئ معاً، لقد قمنا حقاً بعمل رائع في تنظيف النهر، حتى عادت إليه الحياة و الأسماك، ولهذا أضفت ذلك المشهد”..
لن يكفي مهما قلت عن هذا العمل ولكني أنهي مقالي بأحد أجمل الخلفيات االموسيقية التي قد تسمعها في فيلم Spirited Away
(اضغط على الصورة التالية للوصول إلى الرابط)