بعيداً عن الواقع السيء جداً في مجمله، التعيس في ظاهره وباطنه، كانت ولا زالت الأحلام مشروعة، مشروعة للكل دون استثناء، حتى وإن اختلفت من شخص لاخر لكنها متاحة للجميع، فكانت تلك الاحلام من الأشياء المشتركة بين عامة الناس، صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم … ولكن هل يمكن لمجتمع كامل أن يحلم بذات الأحلام؟
وهل تكرار الحلم يعني تحقيقه؟ أو إشارة للبحث عنه؟
أسئلة كثيرة قد نعلم إجاباتها، وقد نتمسك بالأمل في كل مرة يتكرر فيها نفس الحلم وكأنها المرة الأولى.
الحلم الذي يراود الشعوب الفقيرة والمُستضعفة، والتي ما زالت تحلم بالحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، والأمن والسلام، كما تحلم بيوم تُرد فيه المظالم.
ولكن منذ سنوات طويلة وبعد تحول تلك الأحلام إلى مطالب شعبية… مرت تلك المطالب بصراعات وثورات كثيرة، حتى أصبحت صراع كبير له تكاليفه، وله فاتورته التي دائماً ما تدفعها الشعوب، لتُحاسب وتدفع الأثمان الباهظة على ما أكل الحُكام وشربوا، ويرجع الناس إلى أحلامهم نائمون.
رغم ذلك يجب أن نحلم طالما الأحلام مُمكنة وليست مستحيلة، ولكن لا ندع حلاوة الأحلام تُنسينا مرارة الواقع، ولا مرارة واقعنا تُنسينا حلاوة أحلامنا، فلن تتوقف أحلامنا ما دمنا نائمين، علينا الأستيقاظ والعمل على تحقيقها والتمسك ببصيص الأمل ما دام له وجود، ولنكن عكس المتشائمين الذين يرون الصعوبة في كل فرصة، ونكن نحن المتفائلون الذين يرون الفرصة في كل صعوبة.
معاناة المجتمع والأزمات المتكررة التي يشهدها منذ سنوات صحيح أنها ظلت تتسع وتضيق على فترات، لكنها لم تكن وليدة اليوم ولا اللحظة، كانت وما زالت مستمرة منذ خروج المستعمر، لتتوقف الدولة وتعجز بسوء الإدارة الذي لازمها أكثر من ستون عاماً، حتى أصبحت ثقافة العجز والفشل أسلوب حياة يتم تداوله بسهولة لا تجعل من انتقاده أمراً مهماً، ولا النقاش حوله ذات جدوى.
معرفتي البسيطة بالتاريخ السياسي أنه لم يقف إلى جانب الشعوب الفقيرة كثيراً، رغم الثورات التي خرجت، والدماء التي سالت، والحناجر التي نادت، فكانت دائماً ما تستمر الحياة على ذات الوتيرة، فلم تتحقق أحلام الشعوب يوماً ولا الأمنيات، ولكن لولا الأمل في الغد لما عاش المظلوم حتى اليوم.
ورقة أخيرة
تختلف الحياة باختلاف المكان والزمان، الطبيعة والبشر، الا أنه لا يوجد اختلاف كبير بين الشعوب الفقيرة في كل مكان وزمان، قد تتشابه معاناتهم وأحلامهم، كما تتجدد آمالهم كلما رأوا نوراً يمدهم بالطاقة لاستكمال المسير، ليبعث فيهم الأمل نحو المجهول، ويزيد من طريق الرحلة في الوصول إلى الفراغ، لتطول المدة ويستمر السير على طريق طويل ووعر، أوله مثل آخره لا فرق بينهما، وكأننا نقول كما قال المثل: (ما أخس من قديد إلا عسفان) في إشارة لأمرين أحدهما أسوأ من الأخر؛ ليبقى الضوء في آخر النفق ذلك الأمل المجهول الذي لا نعلم متى وكيف له الوصول؟!.