في تلك المنطقة الواقعة شرق الجسر الفاصل بين جامعة الخرطوم و داخلية البركس الشهيرة وعلى ضفاف النيل تقع منطقة عشوائية اشتهرت ببيع الخمور والمخدرات ، ويلجأ إليها الباحثون عن الملذات المُحرمة بجميع أشكالها بعد أن أصبحت ملاذاً امناً لهم نسبياً ، خاصة وأن معاقي ومفصولي الجيش ممن فقدوا بعضاً من أعضائهم وعملهم جعلوا هذه المنطقة على مدار السنين معقلهم الأساسي وأطلقوا عليها اسم كولومبيا ، ولم تكتسب هذه المنطقة أي اهتمام جماهيري أو يلتفت إليها أحد سوى قوات الشرطة التي تعمل عليها بإستمرار في محاولات بائسة لوقف الأنشطة غير القانونية التي تذخر بها ؛ لكن كل شيء تغير بسرعة رهيبة ، وفجأة قامت الثورة واقتلعت النظام واستيقظ أهل كولومبيا على وجود جيران جدد بالألاف ، شباب أتت بهم الثورة للاحتجاج والاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة ، وتمتلئ بهم الطرقات والأزقة ودفعت بهم حرارة الصيف القائظ وحماية مداخل اعتصامهم لمجاورة سكان كولومبيا.
الذين رأوا في هذه الحشود فرصة ومكسب تجاري سيفعلون المستحيل للاستفادة منه وليس العكس ، ازدادت كمية الخمور و المخدرات بكل أنواعها (حشيش ، حبوب) وكل ما يمكن لقاع المدينة أن يوفره لمن كان يتعاطى من هؤلاء الفتية ، و تحت أي منطق فإن زعماء منطقة كولومبيا كانوا يرون أن الإعتصام بمثابة هدية ربانية يجب المحافظة عليها بشتى السبل لزيادة أرباحهم بصورة سريعة ، ولكن زخم الثورة و قوة المشاعر التي كانت تشوب الجو العام جعلت من كولومبيا مرتكزاً ثورياً لا سيماً أن معظم أهله من الحانقين على الجيش الذي لفظهم.
أما في الجانب الآخر و أعني على مستوى الدولة فالمجلس العسكري الذي كان يحاول السيطرة على الحكم يعاني تحت وطأة الثقل الجماهيري والضغط الذي يمثله تواجد الإعتصام أمام قيادته ، خاصة وأنه مجلس مكون من قادة الأمن الذين اشتهروا طوال الثلاثين عاماً الماضية بسحق الشعب ومعاونة النظام ، وفي شق آخر يوجد زعيم الجنجويد وقائد مليشيات الدعم السريع سيئة السمعة محمد حمدان دقلو كشريك أساسي ونائب لرئيس المجلس العسكري.
في حين أن الملايين التي في الخارج كانت تنادي بحكم مدني لا عسكري ، وترفض مجرد القبول بأي مشاركة للعسكر فى الحكم بعد انتصار ثورتهم على طاغية عسكري آخر استمر حكمه لثلاثون عاماً ؛ فكان لابد من وجود خطة للتخلص من هذا التجمع البشري الهائل تحت أي ذريعة ، ولم يدري أي شخص من قادة المجلس العسكري بأن كولومبيا ستكون هي حصان طروادة لهم للنفاذ إلى قلب الثورة و اغتيالها من الداخل.