بمجرد أن تطأ قدماك فناءه يخالجك شعور مختلف، تحس بالرهبة والوجل الممزوج بالراحة والطمأنينة؛ فنسائم المكان تتعطر بذكر الله و سمته التواضع والبساطة والزهد ، والنفوس هناك تسودها المحبة والترابط و الإخاء، أصوات التلاوة تتسرب ببطء لتملأ المكان سكينة و وقار، فيختلط عليك المشهد بتلك التفاصيل المتداخلة، فبعضهم يخرج لوحه إستعداداً والأخر يغسله ختاماً بينما يمسكه أحدهم وقد إمتلأ غبطة وسروراً بعد تشريفه، و يهمّ آخرون بملأ (الأباريق) استعداداً للصلاة، فيما يسرّع بعض العاملين في صاج اللقمة من وتيرة العمل خوفاً من تأخر زمن الأكل و إيصاله إلى (التكية)، بينما انشغل بعض الدراويش بالذكر والمديح على أنغام (النوبة).
ويعرف المسيد بأنه المكان الذي يجمع بين خلوة تحفيظ القرءان والمسجد وسكن الطلاب وأحياناً مركزاً للتطبيب والعلاج بالأعشاب والكي بالنار والحجامة وعلاج الأمراض النفسية،وفي بعض المناطق يطلق المسيد على كل بقعة طاهرة تصلح للصلاة، وللمسيد نظام مميز يختلف عن بقية المساجد ودور التحفيظ و الخلاوي، فطلاب المسيد -الحيران- ينتهجون السلوك الصوفي في الزهد والبعد عن اللهو والالتزام بالذكر والاختلاء بعيداً عن الأهل بغية التفرغ لطلب العلم والتفقه في الدين، ويمتاز المسيد بنظامه التكافلي والاجتماعي والترابط الوثيق بين كافة الموجودين داخل المسيد.
وقد عرف المسيد في السودان أبان دخول الطرق الصوفية عن طريق شمال السودان وتحديداً في دنقلا، عند إنشاء الشيخ غلام الله بن عائد اليمني لأول مسيد في السودان، وقد احتفظ المسيد بهذا الاسم منذ وقت طويل، وكلمة المسيد هي في الأصل محورة من كلمة(مسجد) وهذا الابدال بين الجيم والياء منتشر بكثرة عند البدو في أرض الحجاز وغيرها، وتقدر اعدادها بما يفوق ال15,000 مسيداً في السودان، يبدأ غالباً بمبنى صغير من غرفة أو غرفتين للصلاة ليكتمل فيما بعد ببناء الخلاوي ومساكن الطلاب و(المشايخ)وغرف الضيوف و(التكية) وحفر البئر اذا كان المسيد بمنطقة نائية.
وتتفق أغلب”المسايد” في برنامجها اليومي وروتينها المعتاد، الذي يبدأ بال(الفجرية) وهي مدارسة القرءان الكريم قبل صلاة الفجر، ثم (الضحوية) التي تكون بين شروق الشمس وقبل صلاة الظهر، والقيلولة التي يأخذ فيها الحيران والشيوخ بعض الراحة وتأتي بعدها (الظهرية) و(العصرية)، أما أكثر ما يميز المسيد في السودان فهو (نار التقابة) التي يتحلق حولها الطلاب بعد صلاة العشاء ويطوف بها اخرون في مشهد جميل ومميز يحمل رمزية تاريخية وتقليد عريق للمسيد.
ومن النماذج المشهورة في السودان مسيد الشيخ ود بدر في أم ضواً بان، وود الفادني في الحصاحيصا، والغبش في بربر، والزريبة في كردفان، والشكينيبة بولاية الجزيرة، بجانب مسيد همشكوريب بشرق السودان.