249
بقلم : الاء كيزري
من أزمة إلى أزمة ينتقل المشهد السوداني كأنما قُدر للسودانيين أن يعيشوا طوال حياتهم حروباً أهلية وصراعات متتالية ونزاعات وشلالات دم لا تتوقف، ابتداءً من حرب الجنوب ومنها الى الغرب وحتى الشرق.
الحرب الأهلية السودانية الثانية بدأت في عام 1983م بعد 11 عاماً من الحرب الأهلية السودانية الأولى التي دارت معظمها في الأجزاء الجنوبية من السودان وتعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن الـ(20)، وراح ضحيتها مايقارب 1،9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب، وانتهى الصراع رسمياً مع توقيع إتفاقية ( نيفاشا) للسلام في يناير 2005 واقتسام الثروة بين النظام البائد وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق لتنقسم إلى دولتي (السودان وجنوب السودان).
هذه الصراعات راح ضحيتها مئات السودانيين من الابرياء والشباب بسبب الجهل بالدين وعدم ضبط النفس والتهور، ومنذ نهاية العقد الخامس من القرن الماضي ظل السودان يعيش حرباً أهلية استمرت لسنوات وحصدت ارواح السودانيين الابرياء، وأجبرت الكثير منهم على النزوح الداخلي هرباً من الموت أو اللجوء لدول أخرى.
لاشك أن الصراعات القبلية اضعفت سلطة الدولة وارهقتها ، وادت الى تآكلها واصبح للقبيلة اهمية اكبر من المؤسسات والإنتاج والصناعة التي بموجبها ترتقي الدول، هذا انعكس سلباً على البلاد و تأخرها في عملية التنمية والتطور واللحاق بدول العالم ، فإن عدد الحركات المسلحة في السودان حوالي 26 حركة وهي عدد ليس بالقليل وقعت بعضها إتفاقية السلام ورفض بعضها الآخر التوقيع ، وإختارت مواصلة القتال هذه الحركات المسلحة المتمردة ونقلت الصراعات والخلافات الى مراحل متقدمة ومعقدة وفتاكة يصعب حلها ، فنجد من أسباب الصراعات في غرب السودان حول موارد الأرض والماء المحدودة في ظل التفجر السكاني َوزياده أعداد المواشي، وبعدها تحول الى صراع القبائل الرعوية الرحالة من أصل عربي ، وبين القبائل الزراعية المستقرة من أصل أفريقي.
لا شك أن هذه الصراعات نتجت من التهميش الواضح من الحكومات على مدار التاريخ وأشعلت نار الصراع القبلي ، فشرق السودان له موقعه الإستراتيجي المتميز المطل على البحر الأحمر ، حيث ان به ميناء الرئيسي للبلاد، ويمكن للمنطقة أن تشهد نشاطاً تجارياً واستثمارياً مربح، وهذا ما أدى إلى طمع بعض دول الخليج على الشرق.
بداية الصراع الأولي في الشرق كانت شرارتها من ولاية القضارف التي دار فيها اقتتال قبلي بين قبيلة النوبة والبني عامر، لأسباب بسيطة أدت إلى تأجيج الصراعات وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء.
إن صعوبة الوصول إلى حلول مرضية لكل أطراف النزاع يزيد من حصد خسائر أكبر في الممتلكات والأرواح. أصبحت الطرق التقليدية لمعالجة الصراعات عبر (الاجاويد) لم تعد فعالة َوناجحة.
لابد من اللجوء إلى جوانب أخرى توعوية حول الصراعات القبلية والتحدث عن الدين والتغاضي والمسامحة ومناشدة القوي السودانية والتعامل مع الصراعات بجدية وعقلانية وقانونية لتجنب البلاد الفتن وإعادة هيبة الدولة باعتبارها السلطة العليا التي لا تعلوها أي سلطة، بجانب التخلص من عصبيات الجاهلية والتناحر الدموي المدمر والثأر القبلي والظلم العدواني، الذي يؤجج من النزاعات وهدر الدماء.
لاشك أن هذه الاشتباكات تؤرق أمن المواطن وسلامته وتزيد من قلقه ، لذلك إيقاف النزاعات والحروب من أكبر التحديات التي تواجهها البلاد ، وتظل خطوة أساسية واجب تحقيقها في كل بقاع الوطن الحبيب لينعم المواطن بالسلام والطمأنينة ، وعليه يجب نزع السلاح لكل من يحمله ، و إشراك الجميع تحديدا في المسائل الخلافية بجرأة وصراحة والجلوس مع كل أطراف النزاع لمعرفة الأسباب.
لماذا يقتتلون؟ وماذا يريدون؟ لحل الخلافات حتى لا تنزلق البلاد في فتن جديدة ، ويصبح حالها حال دول أنهكتها الحروب ودمرتها وأصبحت خاوية علي عروشها.
Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom