ذكرنا في مقالٍ سابق في مستهل حديثنا عن دخول الإسلام في السودان، أن الدولة الإسلامية قامت على أنقاض الممالك المسيحية التي كانت موجودة آنذاك؛ وعلى الرغم من كونها تعتنق نفس الديانة إلا أنها لم تكن على وفاق مع بعضها مما أدى لإضعافها وسقوطها على يد المسلمين واحدة تلو الأخرى.
كانت لمعاهدة البقط وهجرات القبائل العربية بالغ الأثر في إنتشار الإسلام في شمال السودان، ومن أقدم الهجرات العربية للسودان هجرة قبيلة (بلي) اليمنية القحطانية واستوطنت شرق السودان، ثم جاءت قبائل بني هلال وبني سليم وجهينة وربيعة والجعافرة وبعض القبائل البربرية من المغرب وآخرها قبيلة الرشايدة التي وصلت للسودان في القرن السابع عشر.
عند الحديث عن إنتشار الإسلام في شمال السودان لابد من ذكر مسجد عبد الله بن أبي السرح وهو أحد مسجدين يعتبران من أول المساجد التي بنيت في السودان،ويقع المسجدان في منطقة دنقلا العجوز، يقع أحدهما في الناحية الشمالية للمنطقة والآخر جنوبها، ومبني على طابقين وقيل أنه كان كنيسة من العهد المسيحي وتحول لمسجد، فيما يعتقد بعض المؤرخين أنه كان قصراً لحاكم نوبي قبل تحويله لمسجد، ويقع هذا المسجد في قرية ناوا (الأتر) ويوجد به نحت بأحد الأحجار بإسم يزيد بن حبيب معلم مالك بن أنس(رضي الله عنه)، وكذلك يوجد أثر حافر حصان موجود على حجر داخل المسجد، يقال أنه حافر(البراق) الذي أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء؛ ولهذا سميت المنطقة بناوا الأتر (أثر النبي).
بدأ إنتشار الإسلام في غرب السودان تدريجياً وبوتيرة أسرع من إنتشاره في بلاد النوبة، ومن العوامل التي ساعدت في إنتشاره مرور حجاج بلدان غرب و وسط إفريقيا بدارفور، وكذلك حركة التجار العرب وغير العرب من المسلمين في هذا الإقليم، حيث نشأت أول سلطنة إسلامية في هذه المنطقة في القرن الثالث الهجري وهي مملكة الداجو.
وفي عام 1445م تأسست مملكة الفور على يد السلطان سلونق الذي إهتم بنشر الإسلام وفتح الخلاوي ودعوة العلماء من تمبكتو ودار شنقيط وسلطنة البرنو ومصر وتونس وسودان وادي النيل وغيرها، وبعد أقل من 200 عام أصبحت السلطة في دارفور بيد العرب عبر السلطان سليمان صولون، وذلك عام 1604م بسبب زواج أبيه من أميرة دارفورية .وكان للسلطان عبد الرحمن الرشيد الفضل الحقيقي في إنتشار الإسلام في دارفور ونفوذه للبلاط السلطاني بعد قيامه ببناء مدينة الفاشر عام 1792م، وجلبه للعلماء من الأزهر والدول العربية المجاورة لتعليم الناس أصول الدين الإسلامي وعلوم الفقه وغيرها، واختفى تماماً الحكم بقانون الدالي الذي كان سائداً ومتبعاً في دارفور واستبدل بالشريعة الإسلامية عام 1812م عندما أعدم السلطان محمد الفضل شيخ دالي السلطنة بسبب صدام على النفوذ بينهما.
أما الحديث عن إنتشار الإسلام في شرق السودان فيرتبط كغيرها من أجزاء السودان بالهجرات العربية والإختلاط الطويل بين المسلمين وقبائل البجا التي تستوطن شرق السودان. والبجا هي قبائل ذكر المؤرخون أنها تنتمي للمجموعة السامية في الجزيرة العربية وإنتقلت للسودان منذ زمن بعيد وإستقرت بالقرب من ميناء (عيزاب) وأسسوا مملكة البجة وعاصمتها هجر، وأول قبيلة إعتنقت الإسلام من البجة هي قبيلة الحدراب التي إندمجت مع البشاريين واختلطت أيضاً بعرب هوازن، ولم تتضمن معاهدة البقط منطقة البجا، ولم يمثلوا خطراً على المسلمين حينها، إلى أن قاموا بالهجوم على صعيد مصر عام 725م فرد عليهم المسلمون بقيادة عبيد الله بن الحبحاب وصالحهم، ثم لم يلبثوا أن عاودوا مرة أخرى للهجوم على المسلمين وأغاروا على قوافلهم في منطقة أسوان. مما إضطر الخليفة المأمون لتجريد حملة عليهم بقيادة عبد الله بن الجهم سنة 841م وإنتهت بمعاهدة جديدة أصبحت بموجبها بلاد البجة أشبه بكونها جزءاً من الدولة الإسلامية وطبقت عليها شروط البلاد المفتوحة، ولكنهم ظلوا بدون الإنضمام لحكومة إسلامية إلى أن جاء الحكم التركي المصري عام1821م.