تركتني بين صديقاتها و انطلقت لتدخن سيجارتها المشؤومة، عم الصمت بين الغرباء فالكل غريب عني و قد فرغت كل احاديثي الصغيرة، انقذتني بائعة الحلوى بقدومها على طاولتنا و تجمع كل الصديقات حولها يتخيرن بين نكهات الحلوى و العلكة، براءة المنظر أشعرتني بسني، لماذا أواعد فتاة تصغرني بعقد من الزمان أو أقل ؟ خمس سنوات مضت على تسكعي بين المحاضرات و أحاديث الحياة الجامعية و لكن ها أنا هنا أجالس صديقاتها في أعرق مقاهي المدينة، هل يا ترى هو إمتحان منها علي إجتيازه؟ هل علي إثارة إعجاب صديقاتها أيضا؟
أيقظ إنتباهي رائحة أعقاب السجائر من نافذة المقهى و صوت النقاش الدائر على الطاولة، بعد إنتهاء الصراع على نكهات الحلوى بقيت مشكلة تقسيم الباقي بين المشتريات فالعملات الورقية لم تسعف بائعة الحلوى و بدأ التناوش الضاحك بين الصديقات، خطرت على بالي في لحظتها فكرة؛ سنقوم بتجربة صغيرة تحل جميع المشاكل إذا نجحت، إقترحت أن تضحي كل واحدة منهن بقطعة الحلوى الغير مفضلة عندها و ان نحاول إعادة بيعها بشكل مختلف، بإستخدام أوراق و دبوس و بعض مهارات الأوريغامي تمكنت من عمل باقة من الحلوى و وضعتها على طرف الطاولة لتكون في مرأى من رواد المقهى و لم يتبقى سوى الإنتظار.
أصبح الصمت القابع على طاولتنا مبررا، فالأحاديث الصغيرة كلها تموت بسرعة عند مرور أحد رواد المقهى بقربنا، و شكل الباقة الجميل يلفت الإنتباه و يبطئ خطوات المارة، أما أنا فعدت إلى التفكير في موقفي الغريب بسلام.
موعدنا اليوم لا يمضي كما هو مخطط له أبدا و لكني مازلت أتبعها، ما بين مقاهي و محلات صغيرة يبدو أننا لن نحظى بفرصة لنتحدث بحرية..هل يا ترى هي غاضبة مني؟
أخيراً إقتربت من طاولتنا سيدة أربعينية ذات مظهر فاره تسأل عن باقتنا، بملابسها الأنيقة و الكتاب البارز من حقيبتها الجلدية كان من الواضح أنها من زبائن المقهى المهمين، تأكد حدسي عندما أسرع إليها النادل يخبرها أن طاولتها المفضلة في إنتظارها، تفحصت السيدة الباقة بإهتمام و تحدثت معنا عن الحلوى التي تفضلها، و لكن عند سؤالها من أين يمكن شراء باقة مثلها صمت الكل و إتجهت كل النظرات نحوي أنا، متعمداً عدم الإجابة عن سؤالها عرضت على السيدة الحصول على الباقة من غير مقابل كهدية، تبادل الصديقات إبتسامات ماكرة فخطتنا الصغيرة تنجح، كما هو متوقع أصرت السيدة على دفع ثمن الباقة و الحلوى بالرغم من إصرارنا و رجاءاتنا المتصنعة لم تضيع السيدة الكثير من الوقت ووضعت بعض الأوراق المالية مكان الباقة و ذهبت مسرعة نحو طاولتها و كوب القهوة الذي في إنتظارها.
نجحت الخطة ولكن بقي التناوش على الأرباح هذة المرة، و بقيت أنا منتظرا أن تنتهي سيجارتها المشؤومة.
عثمان عبدالله