عندما انحرف بعض الناس عن معايير الحياة المتفق عليها عُرفاً وقانوناً ظهرت الجرائم باختلاف أنواعها ومواطن حدوثها، فانتشرت شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وتعددت أساليبها فكانت غزيرة في انتاجها غير عادلة في توزيعها، ليتم تقسيم الجرائم المجتمعية وتصنيفها حسب العرق واللون، لتكون الجريمة الأكبر في تاريخ الإنسانية وهي العنصرية ضد السُود وارتباطها المباشر بالجرائم والسلوك الغير سوي، ذلك القالب النمطي الذي توارثته البشرية جيلاً بعد جيل، والذي خلف أثر تاريخي كبير ما زالت المجتمعات المختلفة تعاني أضراره.
لطالما كانت شعوب البحر الأبيض المتوسط وغيرهم يحتقرون الأفارقة منذ القدم، وكان الجدال الدائم وراعي العنصرية في مهدها حول أحقية السلطة والسلطان ومن يخدمهم، فتم استخدام السُود عبيداً يُباعوا وسلعاً تُشترى ضاربين بمبدأ المساواة بين الناس عرض الحائط، و بالقيم الإنسانية عرض البحر.
تاريخياً لم يعش الأشخاص ذوي البشرة السوداء في سلام، والقصص والشواهد تؤكد ذلك ابتداء من جاهلية ما قبل الإسلام واتخاذهم للسُود عبيداً، مروراً بقصة عنتر بن شداد الشهيرة مع أبناء قبيلته الذين كانوا يعيبون عليه أمه لأنها سوداء، دون أن ننسى التاريخ العنصري للولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً إلى يومنا هذا والسُود يعانون العنصرية والنظرة الدونية في الرياضة والثقافة والمجتمع ككل، فالعنصرية كانت وما زالت موجودة والتاريخ لا ينسى والصفحات لم ولن تُقفل.
ساهم الاستعمار أولاً والحكومات المستبدة بعده في صنع تلك الصورة النمطية للأشخاص ذوي البشرة السوداء فأهملتهم وتركتهم في مجتمعات البطالة والفقر يُجرمون من أجل لقمة العيش، فمن عانى الظلم اتخذ من السلوك العدواني طريقاً يعبر به كل الصعوبات، حتى في أنواع الجرائم كان نصيب السُود منها جرائم السرقة والاغتصاب والقتل، أفعال من عاش الفقر وضاق الظلم والقهر، فلم ترد أسمائهم في جرائم الاقتصاد والسياسة فهم أرخص من ذلك كما صنفهم المُتكبرين المُتعجرفين عبيداً لا قيمة لهم.
وبما أن الإنسان يُولد على الفطرة السليمة التي لا تعرف معنى الجريمة ساهم المجتمع في انتشار تلك الصورة، وزاد من حجم الضغوطات عليهم بقصد أو دون قصد فانفجرت تلك الطاقة السلبية التي خلفها المجتمع، واضطرت تلك الفئة إلى الاستمرار والتمادي في فعل الجرائم، وكانت هي الطريق الوحيد لأخذ بعض فرص الحياة ممن سلبهم أبسط حقوق الحياة، فأصبحت الحقوق تؤخذ ولا تعطى والجريمة مجرد وسيلة لاقتلاع الحقوق.
ليس دفاعاً عن المُجرمين ولكن تبقى الأسباب أقوى والإنسان ضعيف، فضعف الوازع الديني والأخلاقي والبطالة المفتعلة في دول العالم الثالث وتهميش السُود في بلاد الغرب كلها أسباب كفيلة بأن تصنع بيئة فاسدة مُنحرفة ترتكب ممارسات غير مشروعة يُعاقب عليها قانون من وضعوا حُكم القوي على الضعيف.
قال مورغان فريمان : (تنتهي العنصرية عندما نتوقف عن الحديث عنها).
ولكن كيف ومتى سنتوقف عن الحديث عنها!؟ وأصحاب البشرة السوداء يعيشون معاناة ذلك كل يوم، بدءً من أصغر المجتمعات وهي البيوت وأماكن العمل والشوارع العامة إلى أكبرها وهو العالم الخارجي متمثلاً في القنوات الفضائية وما تقدمه من محتويات مُوجهة وداعمة لذلك، ونظرة الأشخاص من مختلف الجنسيات إضافة إلى الحكومات الجائرة وسياساتها القذرة التي ساعدت على ذلك.
فالإنسان الأسود مهما بلغ من مكانة مجتمعية سامية تبقى نظرة المجتمع إليه فيها شيء من نقص وهي سواد بشرته، تلك الجريمة التي تلازمه أينما ذهب، وهذا الحُكم الذي يُعاقبه بذنب لم يقترفه، هي الحقيقة إن أردنا قولها وهي المثالية المجتمعية الزائفة إن نطقنا بغيرها.
ورقة أخيرة
كلما أدعى العالم نبذ العنصرية ونشر الحريات والدعوة إلى الديمقراطية ظهرت على السطح الكثير من الأحداث التي تؤدي إلى فتح الجروح المنسية والملتئمة لتُعبر عن واقع الحال، أنه ما زال البشر غارقون في مستنقع الكراهية في عواصم الحريات ومدن الديمقراطية كما يزعمون، لتبقى العنصرية قمة الكراهية ويبقى السواد نصف الجريمة.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom