Titanic 1997
IMDb : 7.8/10
Rotten Tomatoes : 89%
كانت سفينة الأحلام بالنسبة لأي شخص آخر، بالنسبة لي كانت سفينة العبيد، تُعيدني إلى أمريكا بالسلاسل، ظاهرياً يجب أن أكون بنت حسنة التربية، داخلياً كنت أصرخ رأيت حياتي كلها كأنني عِشتها، استعراضات نهاية الحفلات، اليخوت ومباريات البولو، دائماً نفس الأشخاص المتعصبين، نفس الثرثرة الطائشة، شعرت كأنني أقف في منحدرٍ عظيم، ولا أحد يسحبني للخلف، لا أحد اهتم أو حتى لاحظ، إلا هو.
تايتانيك أو السفينة التي لا تغرق، العالم كله تحدث عنها، كيف لا وهي أعظم بناء في ذلك الوقت، وماكان إلا أن تكون الرحلة الأولى بها لكبارات القوم ونجوم المجتمع ليكون لهم هذا الشرف، أو يكون ل تايتانيك الشرف من نظرهم … !!
السفينة الضخمة بدأت رحلتها في خيلاء، تمشي الهوينا، سفينة ليس لها مثيل، الجميع يفخر بأنه يركبها في رحلتها الأولى، لكن جبل جليدي واحد استطاع أن يُغرق سفينة من شدة هولها تظن أنها جزيرة متحركة، سأخبرك سراً صغيراً، احتفظ به للنهاية ولا تخبره لأحد (لم تغرق تايتانيك بسبب الجبل الجليدي).
جاك كان أكثر شخص محظوظ في ذلك الوقت، ولكن في نفس الوقت هو أقلهم حظوظاً، ربح تذكرة الرحلة في رهان، وصل للسفينة في آخر ثانية، قابل روز بالصدفة، ودُعي إلى العشاء مع الطبقة الراقية، رسم روز عارية ونام معها، هل هناك حظ أكثر من ذلك .. !! لكن لن أخبركم كيف هو أقل الناس حظوظاً، فجميعكم تعرفون.
لم يتبادر لذهني أن جاك يمكن أن يقول شيئاً ويأتي من بعده تايلر دردن صاحب البعد الفلسفي في فيلم Fight Club بقول نفس الجملة مع اختلاف الصياغ .. !!
(عندما لا تحصل على شيء، لا شيء لديك لخسارته).
لذا لا تستهين بشخصية جاك فمعظم المفكرين والطلقاء والفلاسفة كانوا من طبقة بسيطة، وما الحِكمة إلا من خلال التجارب، ومن أدرى بمعرفة الثقافات من شخص يرتحل بدون توقف، فالسفر معرفة والمعرفة قوة.
You Jump, I Jump
روز كانت تريد الإنتحار، وقفت في مقدمة السفينة وكانت تريد السقوط، لا يهمنا إذا كانت ستفعل ذلك حقاً أم لا، لكن ما يهمنا أنها فكرت في الإنتحار، وكان جاك هو المنقذ، بأسلوبه البسيط وتعامله الذكي .. يُنبهنا هذا لضرورة وجود شخص في حياة كل منا، يحمل عنا بعض مما تتركه الحياة على أكتافنا، الذي ينسينا بحديثه جنون هذا العالم.
جاك، أنا أطير
ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي تشعر فيها روز بالحرية حقاً، فلا يمكنك أن تطير إلا إذا كنت حراً غير مقيد بأغلال وأثقال تمنعك من الرحيل، لست حبيس شخصٍ ما، أو مكان ما، كل يوم في هذه الحياة هو هدية من الله لك فأحسن استغلاله ولا تمت وأنت مازلت حياً.
مقدمة السفينة تحمل ذكريات جاك وروز كلها، فهي موضع لقاءهما الأول وموضع حريتهما، والمكان الذي انجاهما في النهاية.
دِلالات
يطبع فينا فيلم تايتانيك أثر كبير بمعرفة أن الأشياء مهما عظمت وكبرت فإن حدثاً بسيطاً كفيل بإزالتها، لذا لا تغتر أبداً بما لديك، وصور لنا مقدار التضحية لأجل الحب، فكم ضحت روز من أجل جاك !! وكم ضحى جاك من أجل روز !! وكم ضحى الإثنان من أجل حبهما !!
الفيلم في إحدى صوره ناقش حياة الطبقة العليا والبؤس الذي يعيش فيه بعض أفرادها ك روز، كما صور عفوية وروح البسطاء ك جاك، وركز تماماً على حال الناس عندما يحيط بهم الموت من كل جانب، ماذا سيفعلون !! وكيف تكون ردود أفعالهم !! هل يتملكهم الخوف وتظهر حقيقتهم !! أم أن مبادئهم لن تتزحزح !!
دراسة لتلك الطبقة النبيلة التي تستخدم المال لجميع أمورها، تُزيل كل العوالق بالرشوة والإبتزاز، تايتانيك فضح الفساد في الحقيقة.
ما وراء الكواليس
سيناريو وإخراج جيمس كاميرون كان في غاية الإبداع، تفانى بشدة في جعل كل شيء تماماً كما كان، نعيش الحدث لحظة بلحظة، وحتى اللحظة نعيشها كدهر، كأنها تختلج في الصدر وتقبض على القلب وتحبس الأنفاس، ليس هذا فقط، بل ومصحوبة بصوت سيلين ديون الشجي الدافيء الذي سيُنسيك برودة المحيط الذي غرقت فيه تايتانيك وتجمد فيه الكثيرون، ولا ننسى أداء دي كابريو وكيت المتميز، من أروع أدوارهما على الإطلاق.
حول شخصيات الفيلم
روز ليست جشعة وخطيبها ليس شهماً نبيلاً كما يبدو للناس، أمها من الطبقة الأرستقراطية التي تهتم أكثر بزينتها وبأراء المجتمع النبيل فيها، ولكي تحافظ على ذلك من الوقوع جعلت ابنتها ترتبط بأحد النبلاء رغماً عنها، وجعلت من روز خديعة لدموعها واستعطافها بحجة أنها لا تريد العمل في الخياطة ثانية، خدعتها حتى لم تستطع المقاومة، كل ما تمنته روز هو التقدير والاعتبار لشخصها، أنها إنسان ولديها فكر ورأي مختلف، ليست بحاجة للمظاهر لإلقاء الضوء عليها، ليست بحاجة لأن تتعامل خِلافا لماتريد، أن تلتزم بتفاهات تُلقيها عليها الطبقة العليا لمجرد المحافظة على المظاهر.
أما خطيبها فلا يهمه سوى رغبة الإمتلاك المُلحة للجمال، تقييد روز بكل تلك الأبجديات النبيلة، بإعتبارها واجهة يعتمد عليها في إظهارها للمجتمع الأرستقراطي، سأقول شيئاً ربما تخالفوني الرأي فيه، إنه حتى لم يحبها فعلاً كما يقول، كيف هذا وهو يظن أنه يشتري حبها بالمال،
إنه حتى ليس نبيلاً كما تظنون، أين النُبل عندما تضرب روز حتى أمام الخدم !! أين النبل في تزوير جريمة فقط لكي تُخلي الساحه لك !! أين النبل في أن تستغل طفلة صغيرة لنجاتك الشخصية !! أين النبل عندما توجه مسدسك نحو روز وجاك وتريد التخلص منهما !! أين النبل عندما لم تستطع المغادرة إلا بعد أن أخبرت جاك بأنك تفوز دوماً .. على العكس تماماً إنه أجشع مخلوق في تلك السفينة.
روز أيضا لم تحبه، حتى عندما سألها جاك !! لم تجبه .. بل وأخبرته بأنه وقح، لأنه مس الحقيقة، لذا لا تقولوا أنها خائنة، هي أُرغمت عليه، وصدقوني هو يعلم هذا ولكن ظل يتجاهل.
جاك ليس سوى فرد من تلك الطبقة التي لاتعرف التقاليد، لا تعتمر القبعات، ولا تسير فوق رؤوس الجميع، يُحب أن يعيش حقاً بحرية وبدون قيود، ذلك ماجذب روز إليه، فنحن نرى بوضوح مانفقده، وننجذب إليه بسهولة، لذا تواصلا بسرعة.
ومن فرض أن يكون لدى جاك ثروة ومال لكي يُحب أو أن تقع فتاة في حُبه !! هي تعلم ما سيواجهها معه وأرادت ذلك.
لذلك لا يمكننا ولا يُسمح لنا الحكم على الناس من خلال طبقاتهم فقط، الحكم على الناس خطيئة، لا يهمني أن احكم عليهم، مايهمني هو ألا انخدع بهم، لاتدع الدموع والإبتسامات تُغريك، لابد من التعامل فهو كاشف كل شيء.
رؤية حول رمزية تايتانيك
سفينة تايتانيك تُمثل الحياه تماماً، حيث الطبقات داخلها كما في الحقيقة، هناك الطبقة النبيلة التي لا تهتم سوى بالمال والمجوهرات، السجائر وسفاسف الحديث، لا تُعايرك إلا بمقدارك المادي فقط ولا شيء غير ذلك، على الرغم من أن مولي وروز كانتا خلافاً لتلك الحقائق، مولي عاملت جاك كإبنها، نظرت إليه بإعتبارية، لاتستغرب !! فكل قاعدة ولها شواذها أليس كذلك !!
وهناك أيضا طبقة البسطاء، الذين يعيشون حياتهم بعفوية، لا يأخذون كل شيء على محمل الجد، يأسرون القلوب بتعاملهم ولا يقيسون الأخرين الا بتفاعلهم.
والطبقة الأخيرة وهي الطبقة الكادحة العاملة التي تتمثل حياة أفرادها في أعمالهم، لا يوجد لديهم الوقت لأي شيء، غير مُقدرين تماماً ومجهولٌ صنيعهم.
كل طبقة تضغط على التي تحتها ولا تعير أدنى إهتمام بما يجري بعيداً عنها …
تفاصيل الغرق
جاك وروز قضيا أفضل أيام حياتهما في السفينة، هذا الفرح بالحياة، لكن جاء اليوم المشؤوم، اليوم الرابع للرحلة، تصطدم السفينة بجبل من الجليد، نتيجة سرعتها الزائدة وعدم قدرتها على الإلتفاف سريعاً. ساعتان صورت لنا لحظات الغرق بالتفصيل، المصائر، الهلع والتوتر، الموت، الإحتيال والنصب، الرضا، وشجاعة القبطان الذي لم يهرب بل فضل أن يموت وهو متمسك بدفة القيادة، دفة أعظم سفينة في التاريخ، وأيضا شجاعة الفرقة الموسيقية التي ظلت تعزف حتى النهاية، لاتتعجب إنها الطبقة النبيلة ياعزيزي، هناك موسيقى حتى للغرق.
أثناء عملية الإنقاذ حصلت تفصيلتان ..
– أول شيء حصل بعد الإصطدام هو إغلاق الأبواب التحتية لمنع دخول المياه، وتجاهل لكل الطبقة الكادحة بدون سابق إنذار، لا يمكنني الحكم تماماً على وقائع الحادثة من هنا، فلا اُحيط عِلماً كاملاً بشعور المراقب في تلك اللحظة، لكن أقل ما يمكن فعله هو تنبيهم للخروج أولاً.
– وثاني شيء كان الإخلاء للطبقة النبيلة في البدء، ومنع الجميع من الخروج حتى انتهاء عملية إنقاذهم أولاً، من هم حتى يُحددوا من يحيا ومن يموت، الحياه حق للجميع.
المدير العام لهذه الرحلة كان أول من هرب، نعم هرب ولم يتابع حتى سلامة الركاب، على عكس الكابتن الذي فضل البقاء، ضحى بنفسه في سبيل الإخلاء، ربما تظن أن القيادة هي سلطة تمنح صاحبها الإمتيازات فقط، لكن هذا الفهم سطحي جداً، فكل شيء يأتي بمنافعه ومطالبه، وهذا الكابتن قد علم مايجب عليه، هذا في الأساس السبب الرئيسي الذي تم من أجله إختياره لهذا المنصب، لكي يتعامل مع مثل هذه المواقف، لكي يُنقذ الأرواح. وفي المقارنة بين الشخصيتين نعرف بوضوح مخاطر إعطاء المناصب لغير أهلها، قد تتسبب بضياع الكثير من الارواح.
في تلك اللحظة الجميع عرف الحقيقة عن نفسه، لكن اختلف تقبلهم لها، هناك من اعترف بخطأه، هناك من انكر، من سكت، من هرب ولم يفكر كثيراً، دائما مايقولون أن مثل تلك اللحظات تتركك أمام الواقع ويصير كل شيء عارياً أمامك دون غطاء كما هو حقاً، لذلك غالباً ماندرك معاني الأشياء بعد فوات الأوان، ونتمنى لو نستطيع تغيير ذلك ولكن هيهات.
في مثل هذه المواقف يجب المواجهة بثبات، إلى الأن مازال يؤلمني جداً أولئك الأشخاص الذين ظلوا داخل السفينة، داخل أسرتِهم مؤمنين أن هذا هو قدرهم، لم يقتلوا انسانيتهم بالأنانية التي حلت على الجميع، ويُبكيني بشدة كلما اتذكر ذلك الرجل الذي أرسل زوجته وابنتاه في قارب النجاة وقال لهم مُودعاً وهم لا يدرون، هناك قارب أخر للرجال .. يبكي أطفاله دمعاً بعينيهم، ويبكي هو دماً بقلبه، من قال أن تايتانيك لم يركز الا على جاك وروز !! لو امعنت جيداً سترى أن الحقائق المؤلمة مُتناثرة طوال فترة الغرق، الألم والحزن لم يفارق البتة.
هناك نوعان من الضحايا في تايتانيك، من مات قبل غرق السفينة سواء بسقوط او إصطدام أو غيره، ومن مات بعد غرق السفينة تجمداً أو غرقاً أو الأثنان معا.
في تلك المياه الباردة، كانو ينتظرون رجوع المراكب لإنقاذهم بعد غرق السفينة، لم تكن مُمتلئه جداً، لكن للأسف سيطر الجبن على أولئك، وانعدمت انسانيتهم تماماً، حتى مولي الوحيدة التي دافعت وأمرتهم بالعودة لم تصمد أمام غضب الجميع وتوقفت عند أول منعرج، من المهم جداً الثقة التامة بأرائنا والثبات عليها وإن كنا وحدنا في مهب الريح، كيف يمكنك أن تؤثر برأيك وتجعله راسخاً إذا لم تستطع أنت الوثوق به والدفاع عنه، ومن جديد أنا لا أملك المعرفة بكافة الدوافع التي حملتهم على عدم الرجوع وربما إذا عادوا لهرع الناس وتدافعوا واغرقوا المراكب، ولكن كلنا نُسمي أنفسنا ونندرج تحت مسمى الإنسان، وما لا نعرفه عن أبجديات هذا المسمى أن تكون مستعد للمغامرة من أجل إنقاذ الأخرين، أن لا تستطيع الجلوس مكتوف اليدين بينما في خطر، أن يقتلك شعورك وإحساسك بالمسؤولية على حياتهم، كيف يمكن لهؤلاء أن يعيشوا هكذا وإخوانهم يموتون أمام أعينهم، سأجزم لك أنه لا يوجد أحد من الناجين إلا وتُطارده اهااات الندم طوال حياته البائسة.
خِتام
من قلب المعاناة يتولد الإبداع، ومن مأساة الغرق خرج فيلم تايتانيك.
هل مازلت تحتفظ بذلك السر الذي أخبرتك عنه، حسناً حان الوقت ليعرف الكل الحقيقة، ظن الجميع أن تايتانيك غرقت بسبب الجليد، ولم يعلموا أنها لم تستطع المتابعة بسبب ثقل الجشع الإنساني، غرقت بسبب الطمع والأنانية، بسبب الرغبة في الشهرة والعناوين الرئيسية، نزوات الإنسان التي لاتنتهي. تايتانيك ليست مجرد سفينة، هي رحلة في الحقيقة نحو الحرية، نحو تفتت الطبقية، نحو الحياة بكل مافيها، نعم هي قصة حب في الأخير ولكننا لا نرى غير ذلك.