نستأنف مسيرنا اليوم من كوبان، إلى جزيرة ضرار، حيث يسير الراكب فيها مسافة من ساعتين إلى ثلاثة بحذاء الشاطئ، نجد هذه الجزيرة مزروعة بعناية وترتيب ممتازين، حيث يستفيد الأهالي من خصوبتها وسهولة ريها، كما أن مياه النيل تغطيها في كل عام لشهور في موسم الفيضان، مما يمنحها طميا وتخصيبا مستمرا على مدار الزمان، ويقطع المرء الجزيرة طولا في ثلاثة أرباع الساعة، وعلى الضفة الغربية من الجزيرة توجد قرية قورتة، ويمتد منها وادي المحرقة من ثلاث إلى أربع ساعات، ومنه جنوبا يمتد وادي السيالة في أقصى الجنوب إلى نحو خمس ساعات.
كان من سعادة الحظ أن نلتقي هنا بسائحين من الإنجليز هما مستر لي ومستر سملت، ومعهما رجل أمريكي هو الكابتن بارتود، ويعتبر الأولين هذين هما أول رجلين أوروبيين يزوران الدر وأبريم من بلاد النوبة، وتفحصا الآثار التي بينها وبين جزيرة فيلة، وقد قضينا معهما بضع ساعات على زورقهما الذي قاما باستئجاره، ثم ودعناهم وكانوا راجعين شمالا إلى أسوان، بينما نكمل نحن مسيرنا جنوبا إلى عمق بلاد النوبة، حيث وصلنا وادي المضيق بعد مسيرة يوم كامل.
28 فبراير، وعلى مسيرة ساعة من وادي المضيق يقع وادي السبوع، وقد سمي بهذا الاسم لكثرة ما فيه من تماثيل أبو الهول التي لها أجسام السباع، وهي تقوم منتصبة منذ آلاف السنين أمام المعبد المتهدم المشيد على الضفة الغربية، وللعلم فإن تماثيل أبي الهول هذه ممتدة إلى العمق النوبي، وقد غرق الكثير منها مما لم يتم إنقاذه تحت مياه السد العالي بمنطقة وادي حلفا وقراها.
أما عن الزرع في وادي السبوع فهو أزكى منه في أي بقعة مررنا بها من أسوان إلى الدر، أما سكانه فهم أكثر غنى وأفضل حالا، ويرجع غناهم إلى أنهم تجار نشطون، حيث يسلكون الجبال وصولا إلى بربر، حيث تقع الفوز التي ذكرها بروس، وهي تبعد عنهم مسيرة ثمانية أيام، حيث يجلبون منها البضائع والسلع المختلفة التي تأتي بالأساس من سوق سنار، كما أن الطريق مأمون جدا لدرجة أنه تصل جماعات منهم في كل أسبوع تقريبا ومعها أربعة أو خمس جمال محملة بالبضائع، وعن سكان المنطقة فهم جماعة من العرب يسمون بعرب العليقات، الذين أتو أصلا من الحجاز، ولا يتحدثون النوبية، وإنما العربية فقط، ولكن يشتهر عن تجارهم بأن أخلاقهم منحطة، فهم غادرون، ومحتقرون لبخلهم، كما أنهم كثيرو العدد، لذلك لايجبي أمراء النوبة منهم الكثير من الضرائب تجنبا للاقتتال معهم، ويعد هذا سببا رئيسيا لغناهم واحتفاظهم بأغلب أموالهم، أما عن السلع التي كانوا يجلبونها من أسواق بربر وسنار فهي البلح وريش النعام والإبل والصمغ العربي.
بهذا نرى أن بلاد النوبة كانت مترابطة تماما وصولا إلى سنار، التي كانت آخر حدود تحت إدارة مملكة علوة وعاصمتها سوبا، قبل سقوطها في حدود عام 1500م.