عهد الإنقاذ “٤”
أخيراً و ليس آخراً، في هذه الأجزاء الخاتمة لسلسلة تاريخ السودان الحديث؛ و لربما يصح القول بأن نطلق عليه التاريخ المعاصر..الذي كانت فيه أحداث غيرت مجرى التاريخ السوداني على الصعيد الإقتصادي، والسياسي، و حتى الخارجي.
لمحات من عهد الإنقاذ( ٢٠٠٨ —٢٠١٨)
تأثر العاصمة المثلثة بحرب دارفور ٢٠٠٨:-
كانت حرب دارفور – منذ اندلاعها في ٢٠٠٣- محصورة في تلك الرقعة الجغرافية المحدودة؛ في غرب السودان ، و لكن في عام ٢٠٠٨ امتدت لتصل إلى الخرطوم، و أم درمان في إشتباكات دارت بين القوات الحكومية للجبهة الإسلامية ،و مجموعة كبيرة من المتمردين من دارفور بقيادة حركة العدل والمساواة، و زعيمها خليل إبراهيم، و قد حاولوا الوصول إلى القواعد العسكرية المتواجدة في العاصمة، و إلى القصر الرئاسي في عملية عُرفت باسم ( عملية الذراع الطويل)، و لكن تم إحتواء هذا الهجوم بعد أن راح ضحيته عشرات من القتلى و الجرحى المدنيين و العسكريين .
فيما بعد تم اعتقال الترابي، و عدد من أعضاء المؤتمر الشعبي بسبب صلاتهم المزعومة بالمتمردين، و في نفس اليوم تم إطلاق سراح الترابي و قد نفى وجود أي علاقة له بحركة العدل والمساواة.
الإنتخابات العامة السودانية ٢٠١٠ :-
أجريت انتخابات عامة في السودان بأبريل ٢٠١٠ لإنتخاب الرئيس، و الجمعية الوطنية السودانية. و كذلك الرئيس، و الجمعية التشريعية لجنوب السودان هذا فيما أعلنت المفوضية الإنتخابية في السودان فوز الرئيس المنتهية ولايته عمر البشير، فيما فاز سلفاكير زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان بالرئاسة في جنوب السودان.
انفصال جنوب السودان ٢٠١١ :-
منذ عام ١٩٥٦ ظل الجنوب يعاني من التراكمات، الحروب الأهلية، النزاعات القبيلة، التمرد، و سوء الإدارة.. إلى أن تم توقيع إتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥، و التي من أهم بنودها أنها نصت على تنظيم إستفتاء حول الوحدة، أو الاستقلال في عام ٢٠١١. بحلول يناير ٢٠١١ تم إجراء هذا الاستفتاء فيما أعلنت نتيجته في السابع من فبراير؛ و كان أغلبيتهم قد صوتوا على الإنفصال من السودان الموحد، و قد أُعلن عن الانفصال رسميّاً في ٩ يوليو ٢٠١١ في حفل كبير في عاصمة الجنوب جوبا، بحضور الرئيس السوداني عمر البشير، و رئيس جنوب السودان سيلفا كير، وعدد من زعماء الدول.
الوضع الإقتصادي للسودان بعد الإنفصال :-
كان السودان منذ عام ١٩٩٩ إلى ٢٠١١ يعتمد بشكل كبير في إقتصاده على العوائد البترولية؛ فيما أنها ساهمت بأكثر من ٥٠٪من الإيرادات العامة، و ٩٠٪من مصادر النقد الأجنبي، ولكن بعد الانفصال تأثرت إنتاجية النفط بشكلٍ كبير، حيث فقدت البلاد حوالي ٧٥٪ من إيراداتها النفطية، واضطرت الحكومة إلى إجراء التقشف المالي، وإجراء إصلاحات هيكلية نقدية مثل تخفيض قيمة الجنيه السوداني خلال أعوام ٢٠١٢ و ٢٠١٣، ووصل إلى ٥.٧ جنيه سوداني للدولار ، وهو ما رفع من تكاليف الواردات وبالتالي أجج التضخم.في وقت لاحق شنت القوات العسكرية لشمال السودان هجمات للسيطرة على مواقع النفط، وخصوصًا في المنطقة الحدودية “أبيي” الغنية بالنفط. وكانت هنالك حرب قصيرة بين الشمال والجنوب حول الحدود (هجليج) في ٢٠١٢ ولكن تم التوقيع على إتفاق بشأن الحدود، والموارد الطبيعية في ٢٦ سبتمبر، الذي حل معظم جوانب الصراع.
تأسيس قوات الدعم السريع ٢٠١٣ :-
في أغسطس ٢٠١٣ تم تأسيس قوات الدعم السريع، وهي مليشيات شبه عسكرية.. مشكلة، و مكونة من المليشيات التي كانت تقاتل في دارفور نيابة عن الحكومة السودانية، و تتم إدارة قوات الدعم السريع من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني، وكان قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
الإحتجاجات السودانية ٢٠١٣ :-
بعد الإجراءات التي إتخذتها الحكومة لتقليل الدعم عن الوقود، وبسبب هذا القرار اجتاحت البلاد عدداً من الاحتجاجات الشعبية، و لكن القوات الأمنية ردت بإستخدام القوة مما أدى لسقوط العشرات من القتلى، والجرحى فيما إتهم الناشطون السودانيون قوات الدعم السريع بقتل ما يزيد عن ٢٥٠ مواطنًا سودانيًا خلال هذه التظاهرات ؛ لكن حميدتي صرح في حوار تلفزيوني أن قواته لم يكن لها أي علاقة بفض هذه التظاهرات ملقياً باللائمة بشكل ضمني؛ على جهاز الأمن السوداني.
الإنتخابات العامة السودانية ٢٠١٥ :-
في أبريل ٢٠١٥ تم إجراء إنتخابات عامة لإنتخاب الرئيس، و المجلس الوطني السوداني، و كانت هذه أول إنتخابات تجرى بعد انفصال الجنوب، و قد فاز عمر البشير بالإنتخابات الرئاسية بشكل ساحق، وسط مقاطعة أغلبية المعارضة. كما فاز حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان بالأغلبية في الجمعية الوطنية التي تضم ٤٢٦ مقعدًا.
في مارس ٢٠١٦ توفي حسن الترابي في السودان، إثر وعكة صحية مفاجئة . ونعته الكثير من الشخصيات العربية، والإسلامية كالناشطة اليمنية توكل كرمان، و راشد الغنوشي، وحركة حماس.
رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية من الخرطوم ٢٠١٧ :-
أعلنت الخارجية الأمريكية في أكتوبر ٢٠١٧ عن رفع العقوبات الاقتصادية من السودان؛ و جاء هذا القرار على إثر تحسن الخرطوم في أوضاع حقوق الإنسان، و التقدم في محاربة الإرهاب، و لكن هذا القرار لم يتضمن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إنما فقط كان يشمل التعاملات الاقتصادية “العالمية”، و التحويلات المالية، و التصدير والاستيراد.
من إحتجاجات أكتوبر ١٩٦٤ التي أطاحت بعبود إلى انتفاضة أبريل ١٩٨٥ التي أسقطت نميري وصولاً إلى ثورة ديسمبر التي ستعزل البشير.. ترقبو ثورة ديسمبر ٢٠١٨ في الجزء القادم و الخاتم لهذه السلسلة.