عدي عبدالعظيم
☆ على مر العصور والأزمنة ظل السودان حبيسًا وسجينًا في دائرة الحروب والمشاكل القبليه حتى أهلكت موارده وإستنذفت خيراته ومكتسباته حتى كادت أن تُهلك حرثه ونسله وقيمه ومورثاته وحُبس السودان في هذه الدائره البغيضه إلى وقتنا، ولم يجد طريقا للخلاص من هذه النزاعات القبليه والحروب الأهليه مما يطرح تساؤلات منطقيه حول ما جرى وما يجري من مشاكل ونزاعات قبليه
هذه الإستفهامات تحتاج الى من يجيب عليها لكي نجد منافذاً لنخرج بلادنا من عنق هذه الزجاجة التي وضِعتْ فيها .
★ فلقد بدأت الحرب الأهلية منذ الإستقلال أي منذ بداية مسيرة الحكم الوطني في السودان وتجددت فى عام 1983 وقد صاحبت هذه الحرب حالة من عدم الإستقرار السياسى وهذا هو جوهر المشكلة السودانية، فهى ظاهرة لازمت نظم الحكم المدنية والعسكرية، وأدت إلى عدم إستقرار الحكومات ومنعت تحقيق التنمية المتوازنة على مستوى الأقاليم السودانية، مما أدى الإحساس بالظلم والتظلم والتهميش من المركز وهذا ما دفع في نهاية المطاف إلى حمل السلاح في وجه حكومات السودان المتعاقبه.
حيث تشير الأرقام الى أن الحرب الأهلية السودانية الأولى المعروفة أيضا باسم أنانيا أو تمرد أنانيا صراع كان دائرا بين أعوام 1955 إلى 1972 بين الجزء الشمالي من السودان والجنوبي منه والتي طالبت بمزيد من الحكم الذاتي الإقليمي للمنطقه ومن ثم جاءت الحرب الأهلية الثانية في عام 1983، بدأت بعد 11 عاما من الحرب الأهلية السودانية الأولى بين أعوام 1955 إلى 1972، التي درات معظمها في الأجزاء الجنوبية من السودان أو في منطقة الحكم الذاتي الذي يعرف بجنوب السودان، وتعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب. ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية، انتهى الصراع رسميا مع توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في كانون الثاني / يناير 2005 واقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق
مما لا يمكن ان نعتبر الصراع القبليّ في السودان هو وليد تفجّر الحرب الأهلية أو الحركات المسلحة التي بلغ عددها نحو 26 حركة أو تزيد ، وقّعت بعضها اتفاقات سلام مع الحكومة ورفضت بعضها الآخر واختارت مواصلة القتال. يقول مؤرخو الصراع القبليّ إنه بدأ للمرة الأولى عام 1932 بين قبيلتي الزيادية والميدوب ضد قبيلتي الكبابيش والكواهلة في منطقة شمال عاصمة دارفور (الفاشر) وتكرر في أعوام 1957 و1982 و1997. ويعزى سبب جميع هذه النزاعات إلى مصادر المياه والرعي. بيد أنّ الصراع الحقيقي بدأ عام 1983 بين قبائل الرعاة والمزارعين، بسبب التنافس على الموارد الشحيحة والأرض الصالحة للزراعة ونتيجة لموجات الجفاف والتصحّر التي ضربت منطقة الساحل الإفريقي منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي والتحوّلات البيئية التي نجم عنها انحسار نطاق المراعي والموارد المائية والتربة الخصبة.
* إذ لا يختلف اثنان على أن الصراعات القبلية أضعفت سلطة الدولة وأدّت لتآكلها، وأصبح للقبيلة أهمية أكبر من المؤسسات. إن القبلية، بإيجابياتها وسلبياتها، مفهومٌ متجذر في المجتمع السوداني ويمثّل دائرة مهمة من دوائر انتماء الفرد، إن لم تكن اليوم في مقدمتها. شهد السودان الذي قام بعد استقلاله عن بريطانيا عام 1956 على المفهوم المعاصر للدولة الوطنية، شهد العديد من المتغيّرات في نظم الحكم والسياسات، ألقت بظلالها على شرعية وجودها لا بل أثّرت سلباً على فاعليتها. فتراجع دور الدولة وتوقّف تطوّرها نحو المفهوم الحقيقي للدولة الوطنية، واختلّ التوازن ليتقدّم الولاء للقبيلة على الولاء للوطن. وهذا لعمري أُسُ البلاء
فقد أشعل نار الصراع القبلي تدفق السلاح وانتشاره بسبب الصراعات في دول الجوار ثم جاء أخيراً ظهور الحركات المسلّحة المتمرّدة على الحكومة مؤدّياً إلى استقطاب حادّ للقبائل بين الحكومة والحركات، مما نقل الصراعات القبلية إلى مراحل متقدمة ومعقدة. فأصبح الأمر أكثر حدةً وتعقيدا.
¤ اهم الأسباب التي أدت لاندلاع هذه النزاعات الحروب الأهليه :
أ/ الصراع على الموارد : فقد شكل الصراع على مصادر المياه والرعي اهم اسباب النزاعات القبليه بين القبائل الرُحّلْ فبين تأمين المأكل والمشرب نشبت هذه النزاعات وتجزرت ووصلت لحدود التسليح الكامل لجميع افراد القبيله من اجل الحفاظ على هذه الموارد .
ب/ التهميش : ضاعف غياب التنمية في الاقاليم صور التهميش الذي حاق ببعض اقاليم البلاد إذ يكاد معظم المحللين يتفقون على أن إقليم دارفور وكردفان قد عانى تهميشاً واضحاً من الحكومات المركزية في الخرطوم على مدار تاريخ السودان المستقل، برغم إسهامه الكبير في الدخل القومي السوداني بثرواته الحيوانية والنقدية.
ج/ تدفق السلاح وانتشاره : وذلك بسبب الصراعات في دول الجوار وعدم ضبط الحدود ومراقبتها بالصورة المطلوبة مما اسهم بشكل واضح في التسليح شبه الكامل لبعض الأقاليم
د/ ضعف التجارب الديمقراطية: لم تستطع التجارب الديمقراطية بناء نظام سياسى مستقر، فالتجارب الديمقراطية التي مورست في السودان، كانت ممارسات إجرائية شكلية افتقدت المحتوى السياسي والاقتصادي ولم تلتزم بإطار فكري، كما لم تستطع تكوين نخبة متماسكة تؤمن بها، وهو ما أدى إلى فشل تطبيقات النموذج الليبرالي للحكم ثلاث مرات منذ الاستقلال والذي ظهر بوضوح في الفترة 1985 – 1989 التي اتضح خلالها تدهور الدولة وبروز الصراعات السياسية.
ه/ إنقسام النخب السياسية: يعد انقسام النخب السودانية من العوامل الرئيسية المسببة للحرب الأهلية، فقد ارتبطت الحرب الأهلية بالانقسام حول قضايا الاندماج الوطنى فترة ما بعد الاستقلال، فقد شهدت القضايا المتعلقة بوحدة الدولة وتحقيق السلام خلافات شديدة بين قادة الأحزاب والحركات السياسية، ساهمت فى زيادة التباعد فيما بينها.
¤ سيبقي الوضع في السودان مرشّحاً في ظلّ الصراع الحالي إلى فوضى عارمة، قد تشمل المركز أيضاً، إنْ لم تتواضع الحكومة والقوى السياسية السودانية لتتبنى مبادرات قابلة للحياة والتفاعل، تخرج البلاد الى آفاق رحيبة تحفها الطمأنينة والأمن والإستقرار السياسي والمجتمعي.
❈ ختامًا :
علي الحكومة والنظام المجتمعي تبني برنامجاً مجتمعيًا شاملا لإصلاح ما أفسدته هذه النزاعات وتلك الحروب.
وكذلك على هذا النظام الجديد أن يعمل على إبتكار برنامجاً قومياً شاملاً لمصالحات بين جميع السودانيين بمختلف إثنياتهم وقبائلهم. وتقوم فيه المصالحات على إنصاف كل من أُلحِق به ضررٌ بسبب الحروب، أياً كان مصدرها، سواء من قوّات نظامية أو حركات او قبائل.
ولا بدّ أيضاً من العمل على ترشيد الوعي القبليّ وتخليصه من عصبيات الجاهلية والتناحر المدمر والظلم والعدوان، وفي الوقت نفسه مراعاة كلّ أشكال التنظيم الاجتماعي التي تخضع لقوانين اجتماعية تاريخية، تحدد ما هو ثابت وما هو متغير بحسب ماهو موروث من قيم إجتماعية نبيلة وقويمة.