الحكم الرابع في السودان (بقيادة عسكرية)
الجزئية الثانية من فترة حكم نميري :-
في هذه الجزئية الثانية لعهد نميري سنتحدث فيها عن تفاصيل و نقاط مهمة من بدايات، و نهايات حكمه، و لربما كان لها الأثر على المدى البعيد في رسم ملامح تاريخ السودان.
مقتطفات من بدايات سنوات حكم نميري
نميري و علاقاته الخارجية ١٩٧٠ :
على الصعيد الخارجي لعب النميري دوراً أساسياً في إنقاذ حياة ياسر عرفات “رئيس منظمة تحرير فلسطين” عندما ترأس وفد القمة العربية، وذهب إلى الأردن وكان معه العديد من الوزراء، و رؤساء الوزراء من الدول العربية وقد نجح يومها في إخراج ياسر عرفات من الاردن، بعد أن تنكّر بزيّ امرأة ونقله بطائرته إلى القاهرة.
أول إنقلاب عليه، وصراعه مع الأنصار ١٩٧١ :
و في جانب الأوضاع الداخلية لم يخلُ عهد نميري من الإنقلابات العسكرية، خاصةً بعد أن أصدر قراراً بفصل هاشم العطا، و بابكر النور و فاروق حمدالله من مجلس قيادة الثورة و اتهمهم صراحة بأنهم يقومون بتسريب مداولات المجلس إلى سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب
، وشكل فصل الرجال الثلاثة مقدمة لحركة يوليو التصحيحية التي اشتهرت ب”انقلاب هاشم العطا” في 19 يوليو 1971م وكان الانقلاب بمثابة الصدمة لنميري وأركان حكمه لمخالفته كل أدبيات الإنقلابات الكلاسيكية حيث تحركت الدبابات للاستيلاء على السلطة عند الثانية ظهراً وليس فجراً كعادة الإنقلابات الأخرى، وقتها كان نميري ينوي زيارة الحصاحيصا ضمن جولة تشمل سنار التقاطع وكوستي والجزيرة أبا، فقام نميري بإعطاء اوامره قبل أن يعود بإعدام جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة رمياً بالرصاص كبابكر النور و هاشم العطا و حمدالله و الحردلو وآخرين و طال حكم الإعدام شنقاً سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب و سكرتير عام نقابات عمال السودان الشفيع احمد الشيخ و وزير شؤون الجنوب جوزيف قرنق، بجانب اعتقال مئات الشيوعيين والحكم عليهم بالسجن لفترات متفاوتة بكل أنحاء السودان
وكانت محصلة ضحايا الأحداث التي أطلق عليها النظام المايوي “المحنة السوداء” (38) قتيلاً وجريحاً حسب الإحصائيات الرسمية.ثم دخل نميري أيضاً في مواجهة مع زعيم الأنصار في ذلك الوقت الامام الهادي من معقله في الجزيرة أبا جنوب الخرطوم، وانتهت هي الأخرى بمجزرة ضد الأنصار، طالت المئات بمن فيهم الإمام الهادي الذي لاحقه جنود نميري و قتلوه على الحدود مع أثيوبيا شرقاً. وبذلك وضعت أحداث الجزيرة حجر أساس متيناً لخصومة طويلة بين الأنصار ونميري.
إتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ :
وفي ظل هذه التحولات السياسية تم التوقيع على إتفاقية أديس أبابا في 3 مارس 1972 م، بين حكومة السودان و المتمردين الجنوبيين تحت و ساطة إثيوبية و مجلس الكنائس العالمي و مجلس عموم أفريقيا الكنسي، و تمخضت الإتفاقية عن وقف لإطلاق النار و إقرار لحكم ذاتي إقليمي تضمن إنشاء جمعية تشريعية ومجلس تنفيذي عالي، و مؤسسات حكم إقليمي في جنوب السودان و استيعاب ستة آلاف فرد من قوات حركة الأنيانيا في القوات المسلحة السودانية ،كما اعترفت الإتفاقية باللغة العربية كلغة رسمية للبلاد واللغة الإنجليزية كلغة عمل رئيسية في جنوب السودان وكفلت حرية العقيدة وحرية إقامة المؤسسات الدينية في حدود المصلحة المشتركة وفي إطار القوانين المحلية.
وجدت الإتفاقية معارضة من قبل بعض القوى السياسية أبرزها الاتحاد العام لجبال النوبة الذي وصفها وعلى لسان زعيمه الأب فيليب عباس غبوش بأنها تمثل خيانة لقضية السودانيين الأفارقة. كما انتقدها دعاة الانفصال من الجنوبيين لأنها لا تلبي مطامحهم وانتقدها أيضا القوميون العرب من السودانيين. أدت اتفاقية أديس أبابا إلى فتح الباب على مصراعيه أمام البعثات التبشيرية المسيحية الغربية ومنظمات الدعوة الإسلامية من الدول العربية والإسلامية في تنافس حاد إلى جانب تفشي الانقسامات القبلية بين السياسيين الجنوبيين.
الانقلاب الثاني ١٩٧٥ :
لم يكن انقلاب هاشم العطا الأخير في فترة نميري؛ بل كان هناك انقلاب ثانٍ بقيادة الضابط حسن حسين في 5 سبتمبر 1975 و قد قضى عليه نميري بسهولة وقال عنه “إنها محاولة محدودة و معزولة والدليل على ذلك أن الذين اشتركوا فيها كانوا عبارة عن أعداد قليلة من الجنود وصغار الجنود يجمعهم انتماؤهم العنصري إلى منطقة واحدة”.
خواتيم عهد نميري
الحرب الأهلية الثانية و قوانين سبتمبر ١٩٨٣ :
بدأ التمرد الثاني في الجنوب، بعد رفض فرق عسكرية بشرق أعالي النيل، الأوامر الصادرة إليها بالانتقال إلى الشمال و اغتالت الضباط الشماليين في عام ١٩٨٣ و أطلقت على نفسها اسم حركة” انانيا ٢”. كل هذا أدى إلى إنشاء الحركة الشعبية لتحرير السودان بواسطة العقيد جون قرن دي مابيور الذي أرسلته الحكومة لتهدئة المتمردين لكنه قام بالانضمام و أنشأ “الجيش الشعبي لتحرير السودان”.
قوانين سبتمبر :
وهي قوانين أصدرها الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري، قام بموجبها بإعلان الشريعة الإسلامية وتنصيب نفسه إماماً على المسلمين. و لقد ساعده في صياغتها و تنفيذها مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الدكتور حسن الترابي” زعيم جبهة الميثاق سابقا”.
و كان محمود محمد طه (أحد مؤسسي الحزب الجمهوري) قد عارض قوانين سبتمبر و معه عدد من الجمهوريين، هذا فيما أصدروا منشورهم الشهير “هذا أو الطوفان” و لكنهم اعتقلوا و قدموا للمحاكمة في يناير ١٩٨٥، فصدر الحكم بالإعدام ضده وضد الجمهوريين الأربعة بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة. حولت محكمة أخرى التهمة إلى تهمة ردة. وأيّد الرئيس جعفر نميرى الحكم و نُفذ في صباح الجمعة 18 يناير 1985.
سقوط نميري :
حالة من الإرتباك السياسي، و عدم وضوح نميري تجاه نظام متفق للحكم، وخلو البلاد من الدستور الدائم إضافة إلى الحرب المستعرة في الجنوب. كل هذه المساوئ أدت إلى بداية العد التنازلي لحكم نميري، حينها انتفض الشعب و خلد ثورة أبريل 1985م ، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب، حين كان نميري في الجو عائداً إلى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته إلى القاهرة.