أي مكان به ناس هو مسرح مفتوح ، أمل الشعوب ومجدهم المسرح واللاعبون عليه مدرسة لنا يهبون شتى الموعظات ويفصحو، أحيا على خشبة المسرح وسأموت وأنا على خشبته.هي أقوال للراحل الفاضل سعيد ، عمقت حبنا للفنون وللمسرح وازداد حبنا للوطن ولناسه ولثقافته ولتراثه وحكاويه وقصصه وآلام وأفراح وأحلام شعبه،استمسكنا بأفريقية عربية وبسودانوية متفردة فى ثقافتها وفى إنسانيتها وتمازجت أهازيج الإيقاعات بتنوعها لتشكل نغمخاص ميزنا دون الاخرين من الشعوب.مسرح مفتوح للكل وبالكل نتمناه يحقق حرية العطاء الفكرى والثقافى وينداح ليعبر عنهم بكل تنوعهم القبلى والعرقى ويحفظ لهم عاداتهم وتراثهم ويعمل على رتق النسيج الإجتماعى دون إقصاء أو احتواء.
يعتبر الراحل الفاضل سعيد أحد الأقطاب الكوميدية العربية مع عادل إمام ودريد لحام،فهذا الثلاثي يعتير من الأيقونات العربية الرائدة في العالم العربي المعاصر. إن الفاضل سعيد إستطاع أن يسبق عصره بما قدم من أعمال وشخصيات أجاد تقديمها بحرفية عالية، كما كان دقيقا ومجودا ويقف على كل كبيرة وصغيرة بنفسه، وجد الفاضل سعيد الحاجة الماسة للقراءة التي بدأها عبر الإطلاع، وقراءة المسرح العالمى والشعر ، وتشرب بالتقاليد والعادات والتراث والأدب الشعبى والفنون السودانية والعالمية وكان قارئا نهما، له مكتبة ضخمة بها كافة ضروب المعارف الإنسانية من تاريخ البشريه لآل نهرو إلى طبقات ضيف الله إلى دواويين المتنبى وأبى نواس وغيرهم. تأصلت التجربة إلى الإنتشار الذي دفع به للانتقال بمسرحه إلى الأقاليم التي كان التحرك لها بهذه الفرق الصغيرة، احساساً منه أن جمهور العاصمة هو جمهور الاقاليم الذي إذا خاطبته بلغة واصلة يمكن الوصول إلى هدف أساسي.
ولكن دعونا نعود قليلا إلى منشأ هذا العبقري الذي يعتبر نموذجا للموهبة والمثابرة وتطوير موهبته للتغيير بين الاجيال المختلفة ببساطة وعفوية. نشأ الفاضل سعيد في بيئة دينية في منطقة الغدار بالقرب من دنقلا عاصمة الولاية الشمالية. والده سعيد سالنتود، ووالدته فاطمة محمد سالنتود والأخيرة تعني ابن صالح، والده لا يعرف اللغة العربية ويتحدث اللغة النوبية ووالدته لا تعرف اللغة النوبية ولكنها تجيد اللغة العربية. ازاء هذا التباين وجد الفاضل سعيد نفسه في إطار تركيبة منحته ثراء ذهنياً وتربوياً.قامت بتربيته جدته في ام درمان وتشبع بثقافة أم درمان وحي بيت المال .” الفاضل سعيد ضرار سلنتوت” من مواليد حي بيت المال بمدينة أمدرمان في العام 1935 م ,, ينتمي أصله إلى قبيلة الدناقلة من ناحية والديه من منطقة كنكلاب بالقولد نشأ الرائد المسرحى الفاضل سعيد فى أسرة ذات أصول و بيئة دينية وتاريخية لها أبعادها الحضارية، وهى منطقة دنقلا الغدار بشمال السودان.
الدخول إلى الإذاعة السودانية كان صعباً جداً ولم يدخلها عن طريق تمثيل الكوميديا التي كانت غير معروفة ولا مرغوبة وغير مطلوبة ، فسلك طريق آخر بتقديم التمثيليات الصغيرة والجادة عبر برامج ركن المرأة ، وركن الاطفال، وركن المزارع، وهذا أتاح للاسم الفني أن ينتشر عبر أكثر من برنامج.. بعدها أتيحت له الظروف بعد مسرح البراميل الذي أصبح مسرح الاذاعة ، وتحول للمسرح القومي، ليتم الاعتراف من الإذاعة والالتحاق بها. في العام 1959 م فرض الفاضل سعيد نفسه على المجتمع الفني وبدأت الصحف تتحدث وتكتب عنه مما لفت أنظار محمد عامر بشير فوراوي مدير مصلحة الاستعلامات والعمل آنذاك وأثناء جلوس الفاضل سعيد بقهوة جورج مشرقي في المحطة الوسطى بأمدرمان والتي كانت عبارة عن منتدى ثقافي وفكري شامل لكل أوجه الحياة حضر إليه مدير الإذاعة خاطر أبوبكر واصطحبه إلى مكتب فوراوي ووجد بمكتبه الفنان أحمد المصطفى عندئذ أخرج فوراوي من درجه مجموعة جرائد وأشار إلى موضوعات تتحدث عن الفاضل سعيد وقال له : إنني لا أعرفك إلا من خلال ماكتب عنك وما قرأته عنك كفيل بأن يجعلني أثق فيك فنحن نريد تأسيس مسرح للإذاعة يتولى فيه أحمد المصطفى هم الغناء فيما تتولى انت هم التمثيل، وهكذا فقد قام مسرح الإذاعة الذي كان يطلق عليه مسرح البراميل وكانت نشأته هي نواة للمسرح القومي السوداني.
تعاون مع الفنان الراحل محمد أحمد عوض في أغنيات رجاء ( أبوي ماتقول ليه لا ) والبوسطجي وضربت ليه تلفون، وتعود قصة أغنية أبوي ماتقول ليه لا إلى سفر الفاضل سعيد في رحلة فنية بالقطار إلى مدينة بور تسودان مع الفنانين إبراهيم عوض وصلاح محمد عيسى ومحمد أحمد عوض وكان يرافقهم لتقديم وصلات فكاهية أثناء الفواصل الغنائية وأثناء الرحلة قام الفاضل سعيد بغناء قصيدة رجاء وكان حينها يعاني من أزمة عاطفية ونفسية بعد ان تقدم لخطبة زوجته ( حسنه المدثر ) ورفض من قبل أهلها لأنه ممثل وبعد أدائه للأغنية وجدت إعجاب من الجميع خصوصا من الفنان محمد أحمد عوض الذي تغنى بها بعد ذلك وأصبحت من أشهر الأغنيات السودانية. قدم الفاضل سعيد أكثر من سبعة ألف عرض مسرحى فى كل مدن السودان من حلفا القديمة والجديدة ودنقلا وكرمة البلد وكرمة النزل وارتقاشى وناوا و القولد و كريمة وعطبرة والدامر وبربر وكنور والباوقة والدبة ونورى وشندى و غرب السودان الجنينة ونيالا والفاشر والمجلد وبابنوسة والنهود والضعين والأبيض والرهد وأم روابة وبارا وكل قرى ومدن الجزيرة من المسعودية وألتي والغابة والمسيد والكاملين والحصاحيصا وطابت و24 القرشى والمعيلق ورفاعة وتمبول مدنى وبركات ومارنجان وبركات وعووضة والحاج عبدالله وسنار والدمازين والروصيرص وسنجة والدمازين ومدن النيل الابيض من جبل أولياء والكوة والقطينة والدويم وشبشة وكنانة والجنيد والجزيرة أبا كوستى وربك و الهلالية وشرق السودان القضارف والشوك وود الحيليو و اروما وكسلا وسنكات و طوكر وجبيت وسواكن وبورتسودان وكل مسارح ولاية الخرطوم وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
له حوالي خمسة عشر مسرحية أبرزها (دستور يا سيادي ، أكل عيش ، الفي رأسه ريشة ، الكسكته ، الناس في شنو، نحن كده ، النصف الحلو ، جارة السوء ، الحسكنيت ، الناس ديل ، رجعيهن، الكستكتة ، تباشير)
الفاضل سعيد إلى تاريخ وفاته في بورتسودان على خشبة المسرح في 10يونيو من عام 2005م،يعتبر إسم لا يمكن أن يتخطاه أي مطلع على مسيرة المسرح السوداني، فهو بحق من استطاع الصمود على خشبة المسرح السوداني طوال خمسين عاما من الابداع المتواصل، بما يمكن أن يؤسس تيارا مسرحيا، بل يمكن أن نقول هو التيار المسرحي الوحيد في السودان على الأقل حتى تاريخ هذا التعريف ، إذ ظل محافظاً ومحتفظاً بنمطه المسرحي الذي ظل مفتوحاً على كافة التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت على السودان طوال الخمسين عاما الماضية وغرس خلالها هذا الرجل راية فن المسرح وتعهدها بالرعاية والاهتمام. وكان من جراء هذا أن قدم العديد من الأعمال المسرحية السودانية، أثرى بها الساحة ومشاركا بها في صناعة وجدان درامي لإنسان السودان.. مما يؤهل هذا الفنان الكبير إلى أن يُقال عنه أنه صاحب تيار مسرحي متميز. ولم يكتف الفاضل سعيد بأن طاف على كل مدن السودان وقراه ودساكره، بل لاحق الإنسان العربي بأن طاف على بعض الدول العربية وقدم على مسارحها فنه الراقي.
9 تعليقات
الفاضل سعيد العامود الشامخ للكوميديا في السودان
والسودان محظوظة بقامة فنية وانسانية زي الفاضل سعيد
الاستاذ الفاضل سعيد قيثارة وتاريخ للسودان ككل.ياريت تكترو لينا من الحاجات الزي دي عشان الاجيال الجديدة تقرأ وتتثقف
مبدعين زي الفاضل سعيد محتاجين يتعرفو اكتر من الجيل الحالي ومطلوب من المسرحين الان..محاولة اعاده تمثيل الروائع القديمة وعرضها في المسارح المختلفة
اعتقد المقال اوفى واشكر في الفنان الراحل والكتابة عنه ما بتخلص ابدا..ياما اضحك السودانين وناقشنا مشاكلنا باسلوب بسيط..شكرا جدا على المقال والله
نعم كلام صحيح والله شكرا ليهو بالجد
بالجد الجيل الجديد محتاج معرقة اكثر..شكرا جدا على التجاوب
بحب الفاضل سعيد جدا جدا. وبتذكر اني حضرتا ليهو مسرحية لمن كنت صغيرة..انسان قبل ما يكون فنان
ايوة زي ما قلتي انسان قبل ما يكون فنان..بجولته الولائية العملها عشان الناس البسطاء يحضرو مسرحياتو