تطل علينا في مقبل الأيام و تحديداً في السادس و العشرين من يناير ذكرى أول تحرر من أولى القوى الإستعمارية التي جثمت على صدر السودان و السودانيين طمعاً في موارده الثرة.
و هي ذكرى تحرير الخرطوم و مقتل تشارلز جورج غردون باشا حاكم عام السودان على يد قوات المهدية.
عاشت الخرطوم فترة تاريخية عصيبة منذ بداية الثورة المهدية باعتبارها مقر حكم الغزاة. وكان من المتوقع أن تزحف إليها قوات المهدي المناوئة للحكم العثماني في السودان و وكيله خديوي مصر، في أي وقت بعد أن حققت انتصارات باهرة على القوات العثمانية في مختلف مدن السودان، آخرها كان الانتصار الكبير على الجنرال الإنجليزي وليام هكس باشا في سنة 1883 م في واقعة شيكان القريبة من مدينة الأُبيض على بعد 588 كيلومتر(365 ميل).
بدأت جيوش المهدية تحاصر الخرطوم منذ مارس 1884 وتم عزلها عن العالم الخارجي، فسُدت الطرق من جهة الشمال كما عُزلت عن بقية السودان، فأحاطت بها القبائل و أحكم الحصار.
و قد كانت الخطة التي رسمها المهدي للحضار تتمثل في ثلاثة محاور:
- المرحلة الأولى عزل الخرطوم عن العالم الخارجي و إغلاق الطرق البرية والبحرية والتي تربط الخرطوم بالعالم الخارجي، فأمَّن الطريق الشرقي لسواكن عبر البحر الأحمر و طريق بربر-المتمة شمالاً و الذي يربط الخرطوم بمصر وطريق كسلا-مصوع والذي يربط الخرطوم أيضاً بالحبشة مع طريق القضارف-القلابات.
- المرحلة الثانية وهي عزل مدينة الخرطوم عن المناطق المجاورة باحتلال أم ضومبان و الجريف شرق والجزيرة-إسلانج شمالاً و الكلاكلة و أبو سعد جنوباً.
- المرحلة الثالثة، الاستيلاء على المدينة إما باستسلامها أو دخولها و اقتحامها قسراً.
أما غردون فقد عمل على تحصين الخرطوم التي كانت موقعاً حصيناً وزاد من تحصينها بناء حائط حول المدينة بثلاث بوابات بوابة الكلاكلة وبوابة المسلمية و بوابة بري، عليها مراكز نيران لصد أي هجوم على المدينة وحُفِر الخندق الذي يربط بين النيل الأزرق والأبيض وعرضه 12 متر و بداخله نطاق من الألغام ضد الأفراد لتأخير وصد القوات المهاجمة مع مواقع غرست فيها بعناية فائقة « الضريسة» وهي قطع حديدية من ثلاثة رؤوس ذات أسنان حادة. و يجدر الإشارة إلى أن حامية الخرطوم المكونة من المصريين والأتراك وبعض السودانيين كانت ذات ولاء ضعيف للنظام. و هم : خمسة أورطة جنود نظاميين و أعداد من الجنوب و الباشبوزق و شايقية و أتراك.
تولى الشيخ العبيد من القوات المهدية حصار الخرطوم من جهة الحلفايا شمال أم درمان من الضفة الشرقية للنيل، وتولى العباس بن الشيخ العبيد حصار الجريف غرب بعد عبوره للنيل الأزرق والشيخ «ودأم حقين» من خور شمبات غرب النيل شمال أم درمان، وتولى الشيخ أبو ضفيرة من أبو سعد جنوب أم درمان، بينما قام الشيخ البصير من الحلاويين مع الشكرية تحت قيادة الشيخ عبد الله عوض الكريم أبوسن بحصار الخرطوم جنوباً وعزلها عن الجزيرة، كما عين المهدي أبو قرجة قائداً لجيش الحصار و منسقاً عاماً بين القوات وبدأ بالعدائيات من الجريف.
ثم بدأت مرحلة إحكام الحصار المباشر و تضييق الخناق وإسناده بالأسلحة النارية بقيادة عبدالرحمن النجومي كما وزعت القوة بإحكام شديد على خط التماس بالاتجاه الجنوبي ،في ذلك الوقت تحرك المهدي بجيشه إلى أبو سعد، و أرسل خطاباً لغردون يطلب منه التسليم فرفض غردون طلب المهدي.
أثناء الحصار عانت الخرطوم كثيراً من نقص في المؤن و قام غردون بترحيل النساء وكبار السن والأطفال لأم درمان ، و أرسل إلى حكومته طالبا إرسال حملة تفتح الطريق بينه وبين مصر لسحب الحاميات. ثم اضطره الحصار للمناداة بحملة إنقاذ، في ذلك الحين ترامت للمهدي برئاسته في أم درمان أنباء حملة الإنقاذ وهنا كان قرار الإقتحام قبل وصول حملة الانقاذ.
في فجر 26 يناير 1885م و بأمر المهدي قاد الأمير ود النجومي الاقتحام بستين ألف مقاتل انتشر عشرون ألفاً منهم في مواجهة الدفاع وتسللت باقي القوة عبر فتحة ضيقة في الجدار الذي بني حول الخرطوم عرضها 500 ياردة، وانقسمت القوات إلى قسمين القسم الأول مهمته إبادة جند الحكومة من الخلف والقسم الثاني هجوم مباشر رأساً إلى السرايا مقر قيادة غردون، اشتد القتال مع ساعات الصباح الأولى و عند الضحى انكسرت المقاومة و سقطت الخرطوم. و كان جماعة من الأنصار قد اقتحموا سرايا غردون و بدلاً عن أخذه أسيراً كما أمر المهدي ، قاموا بقتله.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom
3 تعليقات
إبداااااع
صياغة سينمائية رائعة للأحداث،، تنفع مخرج
رائع يا يوسف
أنت مؤهل لإخراج كتاب تاريخي في قالب فني متفرد💟💫
شكراً فدوى ،،
دي شهادة أعتز بها.