لقد لازمت الوصاية على الشعوب كل الدكتاتوريات في كل أنحاء العالم فما فتئ العالم أن يتخلص من وطأ الاستعمار الذي كان يظن أن أهل تلك الموارد غير قادرون عليها وأنه هو الأقدر والأجدر باستخراجها والاستفادة منها حتى نهضت تلك الشعوب وطردت الاستعمار وأخذت استقلالها فما برحوا مكانهم إلا و أتى أناس من أقوامهم ظنوا أنهم هم الأفضل وإن الشعب ليس بكفؤ وغير قادر أن يختار فظلت الدكتاتوريات توهم الشعوب أنها قاصرة وغير قادرة على اتخاذ قراراتها.
فيما سمي “بثقافة الوصايا” ثقافة الوصي على الشعب تأتى بزرع وهم زائف لدى الإنسان أنه قاصر وليس لديه القدرة على اتخاذ قراره وأنه عاجز أمام نخب سياسية و فكرية ظنوا أنهم هم الأجدر باتخاذ قرارته وفقد بذلك حقوقه المدنية والسياسية ودوره في الحياة العامة.
مالم تستعيد الشعوب وصايتها على نفسها وتعلم النخب أن لكل إنسان الحق في تقرير مصيره وأن لا وصاية على أحد والسماح لهم باتخاذ قراراتهم لن تستطيع الشعوب العيش في عهد يرزح بالديمقراطية ولن تقبل الشعوب أن تركع وسنعود إلى دائرة الثورات والإنقلابات العسكرية.
فالاستفراد بالرأي وفرض السلطة على الناس لن ينتج إلا مجتمعات مشوهه فمبدأ الوصايا لن يوجد فقط في غياهب السياسة اللعينة لكن يتشعب ليدخل في أركان المجتمع أيضًا فيولّد أسر مشوهه ترزح تحت الحكم الأبوي فالزوج وصي على زوجته ويظن أنه هو من يقرر عنها وأنها ليست بجديرة أن تقرر، والأب يزوج ابنته رغماً عنها فهو الأدرى بمصلحتها .
إن سلطة الوصايا تحرم المجتمع من حقه في تباين الآراء وتمنع ثقافة الاختلاف وتكبل الرأي العام وتدفعه إلي القصور في تلك النظرة الدونية التي ترى أنه المجتمع جاهل وهذا ما يجعل الشعوب لا تفكر خارج الصندوق لأن الانتقاد واختلاف الرأي سيؤدي الى إفساد الود.
حتى إن المجتمعات مازالت ترى من يكتب متبجحاً لماذا ذهب الاستعمار لقد كان أجدر وأقدر على إدارة البلاد وأن لعن الله من طرد المستعمر فما زالت الشعوب التي رزحت تحت الدكتاتورية سنين طويلة تظن أنها تحتاج إلى من يقوم عنها بإدارة وطنها.
فظل العسكر في تلك البلد يقومون مقام المستعمر الأجنبي فاستبدلوها باستعمار داخلي يسرق ثروات الشعب ويتجبر عليهم وينعت الجموع الغفير إن عارضتهم وأبدت رأيها بأنهم شذاذ آفاق، ومن أشكال الوصايا التي شهدناها في هذه البلد طول حكم الإنقاذ ظن الجماعة الاسلامية أنهم هم الأوصياء على تطبيق شرع الله، وأنهم إن سقطوا سقطت أركان الدين فما زال ذلك الفكر والنزاع قائماً إلى الآن.
الفكر الضال أن الشعب غير قادر على اتخاذ القرارات الأفضل هو ما أدى الى استلاب السلطة من قبل العسكر ظن منهم أن لا بديل لهم وأن ليس بمقدور غيرهم إدارة هذه البلاد ومن أقسى أنواع الوصايا في العالم هي وصاية الحكومة الأمريكية على بقية شعوب الأرض بذريعة الإرهاب وفرض عقوبات اقتصادية على تلك الدولة في تدخل صريح في حريات الشعوب وقراراتها، الانتهاك الذي ما زال بعد زوال الحكم الفاسد يؤلم ويفكك مفاصل هذه الدولة الوليدة ويؤذي شعبها لإخضاعهم لرغبات قوى العالم العظمى .
والآن بعد هذه الثورة العظام ما زلنا نرى تبلور شكل الوصايا في تمديد الفترة الانتقالية الـ 5 سنوات في خوف صريح من الانتخابات ومن أن الشعب لن يستطيع أن ينتخب من يصلح، وفي الختام لن ينصلح حال كل دول العالم مالم ترفع النخب وصاياها عن الشعوب وتعيد لهم حرياتهم الفكرية والدينية والاجتماعية وتعيد لهم إرادتهم الحرة وتساعدهم لرفع وعيهم و دفعهم للتفكير بأنفسهم واستعادة حقوقهم الضائعة في أخذ قراراتهم المصيرية وتعيد دورها المنوط بها أخذه في إرساء الوعي فقط لا غير من دون وصاية.
دعاء العاقب